قطر… حين تنكشف الازدواجية: من منابر المقاومة إلى صفقات السلاح مع إسرائيل

الجريدة العربية – سعيد النجليمي

بينما لا تزال غزة تحت القصف، تتعرض لأبشع المجازر منذ عقود، وتُباد أحياؤها على مرأى العالم، وقّعت دولة قطر صفقة لشراء أسلحة من إسرائيل بقيمة تقارب 100 مليون دولار، في خطوة أثارت موجة من الدهشة والانتقادات، وأعادت إلى الواجهة النقاش حول حقيقة الموقف القطري من القضية الفلسطينية.

الصفقة التي تم الكشف عنها في توقيت بالغ الحساسية، تُعد مؤشراً صريحاً على وجود تعاون عسكري مباشر بين الدوحة وتل أبيب، وهو ما ينسف الخطاب الإعلامي الذي طالما تبنّته قطر، وخاصة عبر قناة “الجزيرة”، الداعي إلى دعم المقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

ففي الوقت الذي تُظهر فيه المنابر الإعلامية القطرية تعاطفاً كبيراً مع غزة، وتحثّ أهلها على الصمود والمقاومة، تُعقد في الخفاء اتفاقيات تسليح مع الجهة نفسها التي تستهدف الأبرياء في القطاع. هذه المفارقة تضع الدوحة في موقع لا يُحسد عليه، وتطرح علامات استفهام كبرى حول جدية خطابها السياسي والإعلامي.

ليس جديداً أن تلعب بعض الدول أدواراً مزدوجة في أزمات المنطقة، لكن ما يثير الاستغراب هو أن تكون هذه الازدواجية واضحة إلى هذا الحد: دعم معلن للمقاومة، وتمويل فعلي للجهة المعتدية.

تجدر الإشارة إلى أنه قبل أشهر، شنّت وسائل إعلام قطرية حملة قوية ضد المغرب، بزعم أن سفنًا أجنبية تحمل معدات عسكرية لإسرائيل رست في ميناء طنجة. وقد استُخدمت هذه الواقعة كذريعة للهجوم على الرباط واتهامها بالتطبيع غير المباشر. أما اليوم، فإن السلاح الإسرائيلي يشق طريقه إلى الدوحة مباشرة، دون موانئ، ودون ضجيج، بل وسط صمت مطبق من ذات الجهات التي كانت ترفع شعار “فلسطين أولاً”.

الواقع الجديد يكشف أن قطر لم تعد تلعب فقط على الحبلين، بل تجاوزت مرحلة الخطاب المتناقض إلى الفعل المتناقض. إذ تشير هذه الصفقة إلى أن العلاقة بين الدوحة وتل أبيب تتجاوز حدود الوساطة السياسية أو التنسيق الإنساني، إلى تعاون عسكري واقتصادي فعلي، يطرح أسئلة خطيرة حول الأدوار الحقيقية التي تُمارَس باسم “الدعم للقضية”.

وفي ظل هذه المعطيات، لم يعد من الممكن تجاهل أن قطر، من خلال هذه الصفقة، تسهم بشكل غير مباشر في دعم آلة الحرب الإسرائيلية، ما يُعد تناقضًا صارخًا مع الصورة التي تحرص على تصديرها للعالم العربي والإسلامي.

غزة تنزف، لا فقط تحت وطأة القصف، بل أيضًا من وقع التناقضات، ومن خيبات مواقف بعض “الأشقاء”. وما بين الشعارات التي تُرفع على الشاشات، والأسلحة التي تُسلَّم خلف الكواليس، تضيع الحقيقة، وتُخدَع الشعوب.

Exit mobile version