الغزو الروسي على أوكرانيا جعل العالم ينظر للمواقف السياسية على الساحة العالمية , بنظرة المهابة و الحذر . فيمكن لبكين أن تلاحق تايوان و تحتلها , و يمكن لصربيا أن تغزو إقليم كوسوفو لتضمه إليها . و قد تسعى كيانات عسكرية ” متأهبة ” في ظل الحرب القائمة في المعسكر الشرقي , إلى اجتياح دول أخرى و ضمها إليها . تقول ” فاليري نيكيت ” المتخصصة في شؤون آسيا ” إن خطر التصعيد مع الولايات المتحدة مرتفع الأن ” , بحيث سيقوم البعض باستغلال الحرب القائمة لتحقيق مآرب كانت صعبة المنال من ذي قبل , في حين سينظر البعض الأخر – كالصين مثلا – إلى ضرورة إنهاء الحرب بحكم الاستعراض اللوجيستي لموسكو و الذي يهدف لتخويف الغرب و إعطاء صورة عن قوة ستحكم المستقبل .
الحرب الأوكرانية عكست وجهة نظر باهتة و مرتبكة من طرف الغرب و أسيا .
تراقب آسيا الحرب في أوكرانيا بقلق ، وقد لا تكون مواقف الدول الآسيوية واضحة كما قد يتخيلها الغرب . للوهلة الأولى ، يبدو جليا لغير الخبير دعم الصين لروسيا ، بينما في الحقيقة هي حث بكين الجانبين على الهدوء . و تتبع اليابان خطى حلفائها الاستراتيجيين , الولايات المتحدة و أوروبا بشأن عقوبات شديدة للغاية توقع على الطرف الروسي . لكن طوكيو قلقة أيضًا من حدوث انفصال جذري عن موسكو , حيث ستؤثر عواقب الأزمة على الاستقرار الاستراتيجي و الجيوسياسي للمنظومة الأسيوية .
الصين تحرك بيادق الرقعة بحذر شديد .
أما بالنسبة لبكين ، فقد لا تكون مسرورة بهذا العرض الجديد للقوة من موسكو , الذي يبدو و كأنه استعراض تسعى من خلاله روسيا لتوضيح وجهة نظرها العسكرية بفرض الحرب لإخضاع المؤسسة الغربية , التي اتضح جليا و كأنها لم تستوعب بعد اجتياح الاتحاد الروسي لأوكرانيا .
يرى الكثيرون أن الأزمة الأوكرانية كانت بمثابة تشجيع لجمهورية الصين الشعبية على الانطلاق لغزو تايوان . و الإعلان الفوري من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن عن المشاركة غير العسكرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا , لا يمكن تفسيره إلا في بكين كدليل إضافي على ضعف الديمقراطيات الغربية , التي لم تعد قادرة على تحمل مخاطر حقيقية للدفاع عن قيمها المشتركة . بعض السيناريوهات معقولة ، مثل إجراء عملية خاطفة ضد جزيرتي ماتسو و كينمن التايوانيتين ، على مقربة من الساحل الصيني ، مما سيُظهر لآسيا بأكملها حدود المظلة الأمريكية و جيوب سيطرتها .
تايوان و أوكرانيا و الاختلال الجيوستراتيجي .
لكن , ربما ليست الصين مستعدة بعد للقيام بهذا الرهان المحفوف بالمخاطر . ستكون مخاطر التصعيد عالية جدًا . في الواقع الوضع مختلف عن الوضع في أوكرانيا . لم يعلن الرئيس الأمريكي ” جو بايدن ” مسبقًا أنه لن يتدخل عسكريًا للدفاع عن تايوان . إلا أن الغموض الاستراتيجي يترك الباب مفتوحًا للدعم العسكري الغربي في حالة الغزو الصيني . حيث ستؤدي عواقب تخلي القوة الرائدة في العالم عن تايوان إلى تفاقم اختلال التوازن الاستراتيجي الذي ينخرط فيه العالم , مع ردود أفعال متتالية في جميع أنحاء آسيا . إن سكان كوريا الجنوبية ليسوا معاديين لامتلاك قدرة نووية ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بردود فعل طوكيو ، على الرغم من المسالمة الحقيقية للرأي العام.
تناقض الغرب : خوف أم خوف ؟
في الوقت نفسه ، لم يكن بوسع القيادة الصينية سوى الترحيب بكل التصريحات الغربية التي أدانت بشدة النزعة الانفصالية في ” دونباس ” . بعبارات تذكرنا بشكل مخيف بذاك النظام الصيني الذي ينهض بعنف مستمر ضد آفة النزعة الانفصالية في ” تايوان ” , و كذلك في ” شينجيانغ ” أو ” إقليم التبت ” .
إذا تدخلت بكين ذات يوم في المضيق الأسيوي ، فسيكون من الجيد التلويح بهذا التناقض للقوى الغربية التي تبقى محاصرة بين الدفاع عن حق الشعوب في تقرير المصير و حرمة الحدود , و بين الصمت الرهيب الذي يعكس الصورة الحقيقة للغرب أمام قوى تملك السلطة على تدمير كوكب الأرض في ساعات معدودات لإمتلاكها السلاح النووي , كروسيا و الصين و الهند .