التلفزة في رمضان : تعليق مسلسلات رمضانية إيحائية سببت فضيحة اجتماعية و أخرى خلقت جدلا سبب انقساما شعبيا .

الأستاذ بوحافة العرابي ( رئيس هيئة التحرير بالجريدة الإخبارية ) .

في غرة شهر رمضان الأبرك تتهافت القنوات العربية على بث أعمالها ” الفنية ” التليفزيونية بنية الربح المادي الهائل عبر إمتاع المشاهد الذي يستغرق وقتا أكبر في متابعة المسلسلات الرمضانية و السيتكومات و الفوازير و عديد من الأوان التلفزية التي تجعل من المواطن العربي ” رهين الشاشة الصغيرة ” . و قد يعتبر الحدث الأكبر هذا الموسم , هو تعليق مسلسل بثته قناة النهار الجزائرية بسبب مشهد اعتبره المشاهد بأنه ” إيحائي و مخل بالحياء الأخلاقي ” ، فيما اتهم برنامج جزائري أيضا يبث على قناة ” سميرة تي في ” بالتمييز على أساس الجنس و العنصرية .

 اتهام بالعنصرية أو التحيز الجنسي أو الفجور, هو العنوان الأبرز للمسلسلات التليفزيونية خلال شهر رمضان 2022 .التي انهالت حملة ” ضروس ” على مجموع الأنشطة الترفيهية التليفزيونية التي بثث على الشاشة الصغيرة لدول المغرب العربي , خاصة تونس و الجزائر و المغرب .

” الإيحاءات الجنسية أو الفجور ” سبب تعليق مسلسل رمضاني في الجزائر .

حملت المسلسلات الرمضانية المعروضة على قنوات التلفزيون الجزائري نصيبها من الجدل القائم . ففي كل عام ، يتوافد ملايين المشاهدين على البرامج المقدمة خلال أمسيات الإفطار . حيث تعد مشاهدة الكوميديا ​​الساخرة أو المسلسلات الدرامية أو برامج تذوق الطعام أو البرامج الثقافية من تقاليد الشهر الكريم . لكن هذا العام ، اضطرت هيئة التنظيم السمعي البصري في الجزائر ( ARAV ) إلى الرد عدة مرات لمحاولة نزع فتيل الخلافات التي نشبت نارها بسبب حدة ” ميوعة ” المواد المقدمة .

في 12 أبريل ، توقف الإنتاج الجزائري التونسي ” حب الملوك ” لمدة أسبوع بسبب ” خدش الحياء و قداسة شهر رمضان , بسبب بعض مشاهده الإغوائية المثيرة ” . لقد أثار المسلسل ، الذي قدمته قناة النهار التلفزيونية الخاصة الناطقة بالعربية ، الغضب بعد بث مشهد يظهر فيه عاملة مكتب تحاول إغواء مديرها من خلال اتخاذ أوضاع تعتبر موحية للغاية . و قالت الهيئة الجزائرية للقطاع السمعي البصري , في بيان صدر في اليوم السابق إنها حذرت القنوات التلفزيونية من ” ضرورة مراعاة القيم الأخلاقية و العادات الحميدة و التحقق من برامجها المختلفة مسبقا ” خلال شهر رمضان .
و إذا كان البعض قد دافع عن عمل تنظيمي ضروري ، فإن البعض الآخر يستنكر مثل هذه الدعوة إلى النظام . حيث قال منتج و مخرج تليفزيوني طلب عدم ذكر اسمه : ” نعم ، هناك نوع من الرقابة و لكنه لا يفعل و كأنه غير موجود ” . يتذكر هذا المنتج الجزائري أنه تم قطع الإنتاجات في الماضي ، مثل المسرحية الهزلية عاشور العشر عام 2021 ، و التي تحاكي الحياة السياسية الجزائرية في قالب هزلي يمرر خطابات في غاية الأهمية للمشاهد المحلي . و استنكر الممثلون خلال بثها اختفاء بعض المشاهد , حيث تبن أن هيئة الرقابة ” فعلت ما فعلت ” لعدم إيصال الخطاب كاملا للمتلقي .

تونس : الضحك على الفتنة السياسية أثناء مشاهدة مسلسل ” كاين يا مكاينش ” .

بمناسبة شهر رمضان ، يقدم المخرج عبد الحميد بوشناق عرضا هزلي عن الأزمة الحالية في موسمه الثاني. بين كاميلوت ومونتي بايثون .

العمل ” الفني ” يحكي قصة ملك يدعى ” بولغور ” ، مكث في السلطة لمدة عشر سنوات ، غارق في الحفلات و الخمر و المجون . نمت قلة شعبيته و أطاحت به امرأة اسمها ” أليسار ” ، و هي ملكة فينيقية من لبنان ، استولت على العرش . حكاية ثورية مستوحاة من اسم الملكة المؤسسة لقرطاج ، ” إليسا “، التي أعيد تسميتها ” أليسار ” , في المسلسل الرمضاني الذي تبثه القناة الوطنية التونسية الأولى . بولغور و أعضاء حكومته المخلوعون ممنوعون من عبور أبواب القصر . في غضون ذلك ، فإن موضوعات الجدل حول البلاد قد أثيرت بشكل جعل من الرؤية تجه ما يحدث على أنه انقلاب أم أنه مجرد ” تصحيح لمسار سياسي ” – على حد تعبير الملكة الجديدة – للمسار الخاطئ الذي كانت البلاد تسلكه في عهد ” الحكم المخلوع ” ؟

هذه القصة هي حبكة المسلسل التلفزيوني ( كاين يا مكاينش ) ، يُذاع في تونس بمناسبة شهر رمضان . حيث يقع الاستجواب الذي يطال سكان هذه المملكة الوهمية و يعكس بشكل مباشر انقلاب 25 يوليو 2021 للرئيس التونسي قيس سعيد على الدستور و الإرادة الشعبية . حيث تم تجميد البرلمان و عزل رئيس الحكومة ، قبل أن يمنح نفسه جميع الصلاحيات ” بشكل مطلق ” . و تمكن من حل مجلس نواب الشعب بشكل نهائي في نهاية مارس , في صورة تعكس ” ديكتاتورية الوافد الجديد .

يقول مخرج سلسلة ( كاين مكاينش ) عبد الحميد بوشناق ، ” أردت أن أتحدث عن كل ما مررنا به في السنوات الأخيرة ، دون انحياز لأي أحد سوى الإبلاغ . حول الوضع الحالي و الخوف الذي لدينا من المجهول ” . في إشارة مباشرة لسياسة الدولة منذ ذهاب بن علي إلى سيطرة ” قيس سعيد ” على السلطة في مشهد تدفع المواطن التونسي ” للضحك و لكن أيضًا للتشكيك في النفس ” .

يروي مسلسل ( كاين يا ما كاينش ) الفوضى السياسية حيث تحتدم المؤامرات . في إشارة مباشرة إلى الأزمات المتتالية و الحقيقية للغاية التي هزت تونس منذ ثورة 2011 . و يشار إلى أن ” المسلسل يتناقض مع ما يمكنك قراءته على وسائل التواصل الاجتماعي حيث يشعر الناس بالمرارة بشأن نتائج الحكم في العقد الماضي ، و لم يعودوا يضحكون على ما جرى ” .

و بحسب أحمد أمين عزوزي ، الخبير في الصناعات الإبداعية ، فإن ” هذا المسلسل ذو المراجع الثقافية ” هو جزء من سياق محلي للغاية و لكنه أيضًا جزء من إحياء كتابة السيناريو في تونس . ” جيل جديد من المخرجين تمكن من إحضار مواضيع معقدة إلى التلفزيون و هي حرية حقيقية لم تكن لدينا قبل الثورة ” ….  

محاولة اغتيال شخصية المغاربة عبر الإعلام و حوار الشهر الفضيل حول ” الشيخ و الشيخة ” .

” الفقدان و التيه و الغربة ” عنوان رجال و نساء اليوم من أبطال مسلسل الحياة في المغرب الأقصى . وطن يسعى لدمقرطة الواقع عبر نسج أبجدية الحرية من خلال قنوات , ليست بالضرورة قنوات تلفزيونية .

يبث التليفزيون الوطني بدار البريهي ( القناة الأولى المملوكة للدولة ) مسلسلا رمضانيا بعنون ” المكتوب ” من بطولة الفنانة المغربية ” دنيا بوطازوت ” و الفنان المتميز ” أمين الناجي ” . و يحكي المسلسل قصة ” شيخة ” تحاول العيش في مجتمع عادي فارضة صورتها ” التقليدية ” , في قالب يزاوج بين الموروث الشعبي و الثقافي . و بالرغم من النجاح الباهر الذي عرفه المسلسل , حيث وجد الألاف من المناصرين و المشاهدين الملهوفين , إلا أنه بذات الوقت لقي صفعة موجعة , تمثلت في ” تمكنه من إظهار الشرخ الثقافي و الالتزام الديني بين مكونات المجتمع المغربي ” . إذ خيم الصمت طيلة المدة الأولى لبث حلقاته بدون ” تعليق ” من ” المؤثرين عبر السوشيال الميديا ” , لكن إحدى المحاضرات الدينية التي ألقاها الأستاذ الجامعي ” الدكتور ياسين العمري ” منتقدا فيها المسلسل و توقيته غير المناسب في شهر العبادة , حيث ” تعمدت هيئة البث ” إدراجه لتدمير الهوية الثقافية للمغاربة , و محاولة خلق ” تطبيع ” مع الشيخة .

مسلسل المكتوب جعل العديد من المشاهدين يتابعون الشيخ و الشيخة و لا يستسيغون ما يروج في السوشيال ميديا و في المواقع عبر الإنترنت . حيث يستلذ أتباع الشيخة بما يعرض في التليفزيون الوطني و يهاجمون ” الأستاذ الدكتور ياسين العمري ” و من تبعه في نفس النهج من أنصار و فقهاء و متكلمين , و يصفونهم بالتزمت و الرجعية , و بأن زمان أفكارهم قد ولى . و اعتبروا أن فن ” الشيخة ” و العيطة و ما يشابهه هو من الثقافة المغربية المتأصلة , التي لا يجب الخجل منه , و بأن الشيخة هي مهنة شريفة , تمتهنها المرأة في ضل الظروف التي تستوجب عليها رعاية أبنائها , كما ذهبوا إلى حد القول بأن الشيخة ساعدت في تحرير المغرب من وطأة الاستعمار الفرنسي .

إن المسلسل الرمضاني الثاني الذي رافق مسلسل ” مكتوب ” و هو مسلسل ( الشيخ و الشيخة ) عبر عن الواقع الاجتماعي المفصوم , لشعب ما هو بتقي و لا هو بماجن . إذ أظهرت تجربة إدماج أفكار مسلسل ” مكتوب ” في الجسد المغربي , عن التحول المعاق نحو الحرية و الحضارة للمواطن المغربي , الذي لم يفهم بعد ما يمكن تحقيقه عبر السينما و الثقافة , و ما يمكن بلوغه في حالة ما إذا نظر إلى تيمة ” الشيخة و الشيخ ” من زاوية تتيح شمولية النقد و الانتقاد , لا من زاوية ضيقة قد تجعل البصيرة ” عمياء ” تخفي بين طياتها ” مع و ضد ” .

رمضان رهين المسلسلات الرمضانية و الإيديولوجيات الإنتاجية .

لا يمكن الاختلاف في كون المسلسلات التليفزيونية الرمضانية تخلق نوعا من السعادة في المجتمع خلال فترة عرضها . فهي في ذات الوقت الأنيس و المتنفس الوحيد التي تملكه ربات البيوت للخروج من زحم و تراكم أشغال المطبخ طيلة شهر رمضان الكريم . لكنه في نفس الآن ” الحقل الخصب ” الذي تملكه السلطة من أجل تمرير الخطابات و الإيديولوجيات و المساطر التي تتوخى من خلالها ” إحداث تغيير في نواة أو تشكيلة المجتمع ” .

و بما أن شهر رمضان يكون غالبا الشهر الوحيد الذي تعرف فيه المنتوجات الفنية الدرامية و الهزلية إقبالا منقطع النظير , فإن الهيئات الوطنية التي تؤطر المجال السمعي البصري , و بغض النظر عن الربح المالي ” الهائل ” الذي تجنيه من مواد العرض و من الإشهارات التي تتخلل هاته الأعمال المبرمجة . تستغل ” توقيت العرض “لنشر نوع خاص من الوعي لدى المشاهد , تتوخى به تمرير خطاب إيديولوجي تؤسس به بالسلب أو بالإيجاب للمراحل القادمة التي تلي عرض مثل هاته الأعمال الفنية .

Exit mobile version