بوحافة العرابي – رئيس هيئة التحرير و النشر بالجريدة العربية
ستجرى يوم غد الأحد بإيطاليا انتخابات عامة مبكرة لانتخاب 200 عضو في مجلس الشيوخ و 400 نائب يشكلون البرلمان بالبلاد . و منهم قد “يخرج الزعيم” , من سيعتلي منصب رئيس وزراء الجمهورية الإيطالية للسنوات المقبلة . و وفقا لاستطلاعات الرأي ، فجورجيا ميلوني Giorgia Meloni تبدو أنها في وضع جيد لشغل منصب رئيس الوزراء الذي يسيل لعاب عصبة السياسيين في هذا البلد الأورو متوسطي .
على مدى الأسبوعين الماضيين ، لم تعد وسائل الإعلام الإيطالية تنقل “علنا” استطلاعات الرأي و سبر أغوار اتجاهات النزعة السياسية للمواطن المحلي منذ 9 سبتمبر . فقد تم حظر ذلك بموجب قانون الانتخابات . و مع ذلك ، يبدو أن المقابلات التي قد تم إجراؤها بالفعل , و جميع الاستطلاعات السابقة تجري لتصب في سياق جد مهم , حيث الأغلبية تتوقع فوز جورجيا ميلوني Giorgia Meloni يوم الأحد ، خلال الانتخابات العامة بالبلاد .
و مع بداية جيدة لمنافسيه ، يتمتع الحزب اليميني المتطرف Fratelli d’Italia ( إخوة إيطاليا ) ، و الذي يعتبر في “مرحلة ما بعد الفاشية” ، بفرصة جيدة لقيادة الحكومة المقبلة في ائتلاف يميني خالص . و الذي يرى في نفسه القوة الرئيسية في البلاد خاصة بعد انتصار اليمين واليمين المتطرف في السويد ، و الذي جعل الأنظار تتجه الآن إلى إيطاليا .
في يوليو الماضي ، أدى انهيار الحكومة الائتلافية ، التي ضمت أحزاب اليسار واليمين والوسط ، إلى استقالة رئيس الوزراء ماريو دراجي Mario Draghi . مما أعطى الوقت الكافي لإجراء انتخابات عامة مبكرة . انهيار حكومي مشبوه , وجهت أصابيع الاتهام فيه إلى حزب الليغا اليميني المتعصب الذي أراد أن ينزلق بالبلاد في وحل سياسي حتى يلبي شبقه السياسي و ولعه المعتوه بمنصب الوزراء . حيث تعالت الأصوات الإعلامية بالحديث عن علاقة روسية عميقة ببعض المؤثرين في حزب الليغا بقيادة ماثيو سالفيني Matteo Salvini .
قبل أربع سنوات ، كان حزب Fratelli d’Italia بقيادة Giorgia Meloni يحوم حول 4% من الأصوات الشعبية . و اليوم قد يحصل على ما بين 24% و 26% حسب استطلاعات الرأي التي تواكب هذا الحزب غادة الإنهيار الحكومي . ليصبح بذلك أول تشكيل سياسي في البلاد قد يحسم بشكل افتراضي و على الورق مسألة الفوز . مثل هذه النتيجة ستسمح له قبل كل شيء بالمطالبة بمنصب رئيس الوزراء , أمر سيجعل سالفيني يعض على ما فرط من قبل , و البكاء على أنقاض الأخطاء الفادحة التي جعلته يخسر شعبيته بفضل غروره الممزوج بغباء مستطرد بين أسلافه في ذات الحركة الشعبوية .
في الواقع ، جورجيا ميلوني على رأس ائتلاف يميني أو بكلمة صادقة ” يميني متطرف “، و بالتالي تخطط للحكم مع ليغا ماثيو سالفيني , التي تعطيها استطلاعات الرأي ( شبه الموجهة ) ما بين 12% و 14 % و فورزا إيطاليا بقيادة السياسي المخضرم سيلفيو بيرلوسكوني Silvio Berlusconi و التي قد تحصل على نسبة تتراوح ما بين 7 % و 9 % ، و بالتالي تشكيل حقيقي لكتلة نخبوية شعبوية قد تجمع ما بين 46 % و 48 % من مجموع أصوات الناخبين يوم غد الأحد 25 سبتمبر .
و في الجهة الأخرى للعبة السياسية الواضحة/الخفية ، يتخلف الائتلاف اليساري ، بما في ذلك الحزب الديمقراطي ، عن الركب لأنه حصل على ما بين 22% و 24 % من الأصوات حسب استطلاعات الرأي الأخيرة . كما ستكون الحركة الشعبوية المسماة خمس نجوم MoVimento 5 Stelle ، بقيادة رئيس الوزراء السابق جوزيبي كونتي Giuseppe Conte , و التي تحدد مكانتها باعتبارها ليست من أصحاب اليسار ولا اليمين , هي القوة الثالثة في البلاد , و يوم الأحد تقول الإحصائيات الأولية أنها قد تحصل على بنسبة 13% إلى 14% من الأصوات . أمر متوقع في ظل التخبط السياسي لأحزاب لا تعرف الركض و اللهث في سباق نحو ” عرش الوزراء ” . راكبين على أمواج الخريف , كل يغني على ليلاه .
تحث ظلال ” الفشل السياسي ” الذريع للحكومات الإيطالية المتعاقبة مؤخرا , و في خضم البروباغندا الإعلامية الموجهة في ردهات التيلفزيون و الجرائد و السوسشيال ميديا , يبدو أن جورجيا ميلوني قد أصبحت رئيسة للوزراء . و إن كان الأمر كذلك , فستكون أول امرأة في تاريخ الجمهورية يشغل هذا المنصب . و ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها ورثة الفاشية السلطة في بلاد نحسبه ( و حسبنا الله ) مهدا للديمقراطية .
هناك معادلة قد تخفى على الكل , و ربما قد تحرك أصابيع الأرجوز للتحكم في قواعد اللعبة , إنها معادلة “المجهول الأكبر” في هذه الانتخابات , و الذي يبقى هو معدل المشاركة الشعبية ، الذي يمكن أن يكون له تأثير قوي على النتائج النهائية . في الواقع ، و وفقًا لأحد التقديرات المنشورة ، لم يخطط 41% من الناخبين للذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد 25 شتنبر . حتمية قد تفقد زعماء الأحزاب مصدر الثقة الذي رسخته فيهم البروباغندا . معادلة قد تمكن من إضافة “أيقونة الخاصية الجديدة ” التي تهم مشاركة الإيطاليين الجدد , ذوي الأصول الأجنبية , مثل المغاربة و التونسيين و الأفارقة , خاصية أو ورقة , طالما لعبت دورا مثيرا في السنوات الأخيرة في تحديد من سيصعد , و من سيبكي حظه . و في ظل التبعية العمياء لفئة كبيرة حتى ترضخ للتعبئة التي يفرضها اليمين المتطرف من خلال هيمنته على قنوات التليفزيون الموالية , فإنه سيصبح من “الواجب الوطني على فئة الإيطاليين الجدد أن يشاركوا بقوة في انتخابات 25 شتنبر” . لأنهم يعلمون علم اليقين أن اليمين المتطرف أسس خطابه السياسي لبناء حملته الإنتخابية , على الكراهية و التخويف من الغول الأجنبي , الذي يسرق الشغل للإيطاليين , و يقتل و يغتصب ملائكة البلد .
الحياة السياسية منذ الأزل لم تكن حلوة المطعم أو سهلة في بلاد نيكولو ماكيافيلّي الذي أباح مفهوم الغاية تبرر الوسيلة . حيث تستبيح عصابة اليمين المتطرف لحم الأجانب باعتباره الشيطان الأكبر , الذي يقبع خلف كل أورام المشاكل التي تتخبط فيها البلاد , لإخافة المواطن الأصلي و بالتالي دفعه للتصويت لفائدة اليمين المتطرف متأثرا بخوفه .
غير بعيد عن يوم غد الأحد , حيث من غير المستبعد أن تكتب فيه الفاشية الحديثة , صفحة جديدة في عالم السياسية ببلد يئن من شدة الصفعات سواء الناجمة عن تصدعات الجسم السياسي الداخلي , أو تلك القادمة من الخارج , أهمها تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على ظروف المعيشة , و ارتفاع اسعار المحروقات و المواد الأولية , و ارتفاع نسبة الفقر , و عدم توافق التعويضات و أجور العمل مع تكلفة العيش .
إذا كان الأمر كذلك , فقد تدخل البلاد مرة أخرى مستنقعا سياسيا , لا الظروف الراهنة تسمح به , و لا مشاكل البلاد الجمة قد تساعد على اجتيازه . فإيطاليا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت في سنة 2007 , مازالت تعيش مرحلة ركود على كل المستويات . ناهيك عن وباء الكوفيد الذي ختم على ما تبقى من أمل . وحل طمي لأزمة الحاضرفيها مباح فيه كل محظور , و القادم لا يعلمه إلا الدائم الباقي .