الجريدة العربية – إدريس زياد
سرعة الأيام تجعل المرء لا يتذكر كيف مضى العمر وهذا ما يحدث عندما يظن الكثير أن سن الأربعين أو الخمسين أو الستين عمر بعيد، لكن يبدو أن هذا غير صحيح، فالعمر فعلاً قصير والوقت يمضي بسرعة، لكن من تجاوز مرحلة من هذا العمر فهو يتذكر الماضي البعيد وكأنه الأمس القريب، وفي كثير من الحالات يشعر أنه شخص آخر يحب ما كان يكره ويكره ما كان يحب، ويحس أنه تغير عما كان عليه من قبل…
سن الأربعين هو العمر الذي اختصه الله بقوله: “حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين” ولهذا العمر بُعدُه من كل النواحي النفسية والجسدية والإيمانية، ومن الحكمة والنضج بالنظرة للأمور التي تختلف كثيراً، كل شيء يتغير ابتداء من التفكير والإهتمامات والرغبات والعلاقات وزيادة التفكير بالآخرة، وقد ورد في الأثر النبوي “أنه من دخل في الأربعين، فقد دخل في أسواق الآخرة”.
فبعد ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ، تتعجب عندما تسمع ﻣﻦ ﻳﻨﺎﺩيك ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ “اسمح لي أعمّي…آش حب الخاطر أعمّي..” وبعد الستين تسمع نداءات أخرى من قبيل الشباب الواعد “تفضل ألحاج…واخا ألحاج…” رغم أنك لم تقم بزيارة لا لمكة ولا للمدينة، وسن الحاج عند الشباب ينذر بالكبر أكثر من سن العم، أما بعد تجاوز سن السبعين فقد أصبحت من العجائز قد تُسَجّل في طرة رسم ولادتك شفهياً عدة ألقاب لن تحيد عنك ولو للحظة مثل “العقروش…الشيباني…الشارف”
أما بالنسبة للنساء ف خالتي هو الإسم الذي يطلق على متوسطات السن، أما كبيرات السن فاحترامهن يعطيهن أجمل وسام وهو اسم أمي فلانة أو * الحاجّة* ورغم أن الأعمار بيد الله، إلا أن حكاية المرأة مع السن تبقى من الأسرار العسكرية المغلقة حيث يُمنع الإقتراب أو التصوير…
يعود الفضل والمنة لله تعالى على ما مضى من العمر بإيجابياته وسلبياته ومِنَحٍ ومِحَنٍ، ونسأله المغفرة عما مضى من التقصير والذنوب، والتوفيق والسداد فيما تبقى، فالعمر كله يمضي سريعاً وما هو إلا مراحل متثالية، قال تعالى: “يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه” .
أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة وطول العمر حتى تسمعوا من الأسماء والألقاب ما لم تسمعه آذانكم وتشاهدوا من العجب العجاب ما لم تراه أعينكم ….