عيد الأضحى : عام صعب ، هناك من ضحى و هناك من جلس ليرمق الآخرين بعينه !

الجريدة العربية – بوحافة العرابي *

يمر الاحتفال التقليدي بعيد الأضحى في المغرب بمرحلة جد حرجة ، تتسم بسلسلة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وقد أثرت عوامل مثل الارتفاع الكبير في أسعار الأغنام وغيرها من السلع الأساسية، بالتزامن مع التضخم الواسع النطاق ، بشكل عميق على استعدادات المغاربة للاحتفال بهذا العيد الديني ذي الطابع المتفرد لدى المجتمع المحلي . وفي قلب هذه الأزمة، تطرح مسألة أحقية المواطن العادي المشكل للكتلة المجتمعية للوصول إلى الموارد الاقتصادية الأساسية . حيث تجد العديد من الأسر المغربية صعوبة متزايدة في تغطية نفقاتها ، في الوقت الذي تضاعفت فيه أسعار الأغنام الضرورية لطقوس عيد الأضحى في العديد من المناطق بشكل غير مسبوق . وأدت سيطرة الوسطاء (الشناقة) و المضاربين على أسواق البيع إلى تفاقم هذا الارتفاع الجهنمي في الأسعار ، مما أثار سخط المواطنين .

وعلى مر السنين، كانت النزعة الاجتماعية المتزايدة للاتجاه نحو تقليل صورة الاحتفال بالعيد . إلى أن وصل الوضع الآن إلى نقطة حرجة خاصة على المستوى المادي ؛ ولم يحدث من قبل أن تخلى هذا العدد من المواطنين عن هذا النسك الديني المهم . وعلى الرغم من غياب الأرقام الدقيقة، فإن الشعور بالأزمة المشتركة يبدو واضحا في ظل التضامن الناجم عن الحدث . و ذهب المغاربة بالقول ، أنه “حتى في ذروة الجفاف، قبل عشرين أو ثلاثين عاما خلت ، عندما سمح الراحل الملك الحسن الثاني طيب الله متواه للسكان بعدم التضحية بالأغنام ، لم نشهد ارتفاعا مماثلا في الأسعار” .

ويبقى سؤال هذا الارتفاع المذهل في الأسعار دون إجابة واضحة ، و حرمان شريحة واسعة من المغاربة من أداء نسكهم و دفع ثمن الأضحية كان نتيجة لإهمال واضح من مؤسسة وصية . و بين هذا وذاك ، يبدو أن المسؤولية موزعة بين من يشير إلى أنها على عاتق حكومة أخنوش ، و من يدعي أنها مسؤولية أشخاص بعينهم . مما يستدعي إجراء فحص دقيق للعديد من العوامل المساهمة في هاته القفزة التي انتهكت حق المواطن المغربي في العيد و شراء الأضحية .

ويذهب عديد من الخبراء و المتابعين ، أنه كان على الحكومة توفير الماشية بموجب مخطط المغرب الأخضر هو ما كان ليساهم في تحقيق الاستقرار في أسعار الماشية ووفرتها بغزارة . ومع ذلك، لا يبدو أن هذه المبادرة لديها القدرة على منع العجز الحالي في الثروة الحيوانية . ويقول أحد المتابعين في هذا الصدد : “المغرب، الذي كان يحقق اكتفاء ذاتيا ، يجب عليه الآن استيراد الأغنام والماشية، مما يشير إلى فشل مخطط المغرب الأخضر في تحقيق أهدافه” .

وبالإضافة إلى الأزمة الفلاحية ، هناك عامل آخر يؤدي إلى تفاقم هذا الارتفاع في الأسعار ، وهو دور الوسطاء و الشناقة . فهؤلاء الوكلاء غير الرسميين و الذي يعتبرون كالذبابة فوق البعرة ، يسعون إلى رفع منسوب أرباحهم ، بفرض هوامش كبيرة على أسعار الأغنام ، مما يجعلها بعيدة عن متناول المواطن العادي . وأثار واقتحام الشناقة لسوق الأغنام المخصصة للأضحية استياء شديدا وشعورا بالعجز بين المواطنين . ويدين المجتمع المغربي الأزمة التي تسبب فيها الوسطاء مستندين في ذلك للأمثلة مؤثرة ، على غرار ” بعض النساء في نواحي أكادير، واللاتي لم يكن بمقدرتهن على شراء خروف للعيد” . مما يوضح فزع الأسر الأكثر حرمانًا و عدم استطاعتهم شراء العيد ، لنكون أمام وضع يدعو إلى التشكيك في الحاجة إلى تنظيم صارم لهذا القطاع .

وفي مواجهة هذه العقبات ، يتبنى جزء صغير من السكان، أي العائلات الثرية، أساليب بديلة للاحتفال بهذا العيد . حيث تفضل هذه العائلات الاحتفال بالعيد في إجازة بعيدًا عن المنزل ، وتعتبر شراء الأغنام بمثابة سنة غير إلزامية ( أي تقليد فقط ) يمكنهم تجاهلها، وينأون بأنفسهم عن هذه الممارسة . كما أن من سلك طريقا أخر ليشتري “الدوارة” حتى يشم رائحة بولفاف و الشواء ، عليه دفع ما يقارب 500 درهم (في بعض المناطق) لتوفير دوارة تعينه على إشعال الفحم ، وقضاء يوم عيد الأضحى بطريقة تقليدية بين الأهل و الأحباب .

وكشفت الوضعية المتباينة بين فئة كثفت نضالها الاقتصادي ، في محاولة جاهدة للحفاظ على التقاليد ، فيما لجأ آخرون إلى ممارسات جديدة ، يُنظر إليها على أنها أقل تقييدا ، كشراء الدوارة فقط ، أو المشاركة في شراء الأضحية في حالة وجود عائلة كبيرة استعان كل أفرادها على الثمن المستعصي . وهكذا فإن عيد الأضحى، الذي كان حريا بنا الاحتفال به بشكل عادي للظروف المتطورة إيجابا و التي تعيشها بلادنا ، ها هو يمر بمرحلة انتقالية تعكس أن مرآة الواقع المغربي في تحول جذري .

إن رمزية عيد الأضحى لها جذورها في الأفعال الإيمانية والتي يعكسها المجتمع المغربي . لكن الأزمة الحالية التي تسببت فيها أطراف عدة ، منها على وجه الخصوص الحكومة الحالية ، و التي لم تعر أهمية قصوى لهذا الحدث الديني ، و تركت فاعلين كثر يعتون فسادا في سوق الأضاحي ، بدأت تطرح سؤالا جوهريا ، مفاده كيف نحافظ على التقاليد الدينية في سياق الهشاشة الاقتصادية التي يعيشها معظم المغاربة ؟

في ظل هاته الطفرة التي خلقت أزمة سيمتد صداها خارج الحدود ، والتي انعكست على العديد من المواطنين، وتمثلت في استحالة التضحية بخروف العيد ، يبدو أن الأمر ذهب خارج نطاق المقاربة الاقتصادية ، ليتعدى كونه أزمة هوية واجتماعية و مذهبية . انصل لخلاصة هي : “إن القدرة على مواصلة هذا الاحتفال الدني تثير الآن تساؤلات حول العدالة الاجتماعية والاقتصادية ببلادنا ” .


* المدير العام ورئيس هيئة التحرير و النشر بالجريدة العربية ….
Exit mobile version