ظاهرة العنف الأسري بين الشرع و الشارع .

الجريدة العربية

عنف الأسرة ، أو العنف الأسري ، هو مسألة خطيرة تؤثر على العديد من الأسر في جميع أنحاء العالم . إنه يشمل أي تصرف أو سلوك يؤدي إلى إيذاء جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي ، لأحد أفراد الأسرة من قِبَل شخص آخر داخل الأسرة . و يشمل العنف الأسري التعنيف الجسدي، والتهديدات بالعنف، والإهانة اللفظية، والتحكم العاطفي، والإهمال، والاستغلال المالي، والضرب، والاغتصاب الزوجي، والعنف بين الشركاء، والعنف ضد الأطفال وكبار السن في الأسرة.

يعتبر العنف الأسري ظاهرة متعددة الأبعاد تؤثر على الصحة والعافية العامة للأفراد والأسرة بشكل عام. و يسبب آثاراً سلبية على الجسم والعقل والروح بالنسبة للضحية، ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية ونفسية واجتماعية خطيرة. حيث تعاني الضحية من انخفاض التقدير الذاتي، والقلق والاكتئاب، والصعوبات في العلاقات الشخصية، والإصابات الجسدية، وحتى الموت أحيانا .

تعد الأسرة بيئة يجب أن تكون آمنة ومحمية، وعلى الأفراد أن يعيشوا في جو يسوده الاحترام والمحبة. لكن العنف الأسري يتسبب للأسف في كسر هذا التوازن ويؤدي إلى تدمير العلاقات الأسرية و تهديد حقوق الأفراد. كما يؤثر العنف الأسري أيضًا على الأطفال بشكل كبير، حيث ينمون في بيئة مليئة بالخوف والتوتر والضغط، مما يؤثر على تطورهم النفسي والاجتماعي.

ولمكافحة العنف الأسري ، يتطلب الأمر جهودًا متكاملة من الأفراد والمجتمع والحكومات. إذ يجب توفير دعم وحماية للضحايا وتوفير خدمات التشخيص والعلاج والمساعدة القانونية لهم. و يتطلب الأمر أيضًا توعية المجتمع بأهمية العلاقات السليمة والمساواة واحترام حقوق الإنسان. كما ينبغي التركيز على التثقيف والتوعية بالعنف الأسري في المدارس ووسائل الإعلام والمجتمعات المحلية.

ناهيك على أنه يجب أن يعمل الجميع معًا للقضاء على العنف الأسري وبناء بيئة عائلية صحية ومحبة. هذا و يجب على الأفراد الذين يشهدون أو يعانون من العنف الأسري البحث عن المساعدة والدعم، وعلى المجتمع أن يكون متحدًا في مواجهة هذه المشكلة وتوفير الدعم والحماية للضحايا. و يمكن توفير ذلك من خلال العمل المشترك الذي يمكن من بناء مجتمعات خالية من العنف ، وتكرس تعزيز السلام والاحترام في الأسرة .

أقوال العلماء و الباحثين الاجتماعيين في العنف الأسري .

هناك العديد من الباحثين العرب الذين قدموا دراسات وأبحاث حول العنف الأسري في العالم العربي. وقد يختلف رأي الباحثين وتركيزهم على جوانب مختلفة من هذا النوع من العنف ، ولكنهم يسعون جميعًا إلى فهمه وتحليله. إليك بعض الأقوال المعروفة للباحثين العرب في هذا المجال :

  1. الدكتورة لمياء عزت الجندي : “العنف الأسري يعتبر تهديدًا للأسرة وللمجتمع بأسره، ويؤثر بشكل كبير على صحة الأفراد وتنميتهم النفسية والاجتماعية” .
  2. الدكتورة ندى البلوشي : “العنف الأسري ليس قضية خاصة بفئة معينة، بل هو مشكلة اجتماعية تحتاج إلى اهتمام المجتمع بأسره وتكثيف الجهود للتوعية والوقاية والمساعدة.”
  3. الدكتور محمد الشوابكة : “يتطلب مكافحة العنف الأسري جهودًا متكاملة من المجتمع والمؤسسات والقوانين، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا وتعزيز الوعي حول حقوق الأسرة والعنف الأسري” .
  4. الدكتورة منى العبادي : “يجب تكثيف البحوث والدراسات حول العنف الأسري لفهم أبعاده المختلفة وتأثيره على الأفراد والمجتمعات، وبناء استراتيجيات وسياسات فعالة لمكافحته” .

أما في الغرب ، فهناك العديد من العلماء والباحثين الذين قدموا إسهامات هامة في دراسة وفهم العنف الأسري. نستعرض بعض أقوالهم التي تسلط الضوء على هذه المسألة :

  1. إريك جيفري : “العنف الأسري ليس فقط قضية خاصة بالأسرة المعنية، بل إشكالية اجتماعية تستدعي تدخلاً شاملاً من المجتمع والمؤسسات” .
  2. موراي ستروس : “العنف الأسري يعد واحدًا من أكثر أشكال العنف انتشارًا وتأثيرًا في مجتمعنا. إنه يشكل تهديدًا للصحة والسلامة العامة ويتطلب استجابة فورية وجادة” .
  3. ليندا ماكيلر : “إن فهم العنف الأسري يتطلب النظر إلى عوامل عديدة، بما في ذلك القوى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تؤثر على العلاقات الأسرية والديناميات النفسية” .
  4. روبرتو ساندرز : “لا يمكن القضاء على العنف الأسري بالكامل إلا من خلال العمل على تعزيز المساواة وتغيير القوانين والمعايير الاجتماعية التي تعزز التمييز والتفرقة” .
  5. جوليا كريستيانسون : “العنف الأسري ليس مجرد مسألة شخصية، بل هو نتيجة لأنماط سلبية من السلطة والتحكم والتمييز في العلاقات الأسرية” .

طبيعة العنف الأسري في دول الغرب .

العنف الأسري يشكل مشكلة عالمية ولا يقتصر على دول محددة، بما في ذلك دول الغرب. فهناك ، تم التركيز على تسليط الضوء على قضية العنف الأسري وتحسين الوعي العام والتشريعات لمكافحته.

و تختلف طبيعة ونطاق العنف الأسري في دول الغرب وفقًا للثقافات والقيم الاجتماعية والقوانين المحلية. ومع ذلك، فإنه يشمل العنف الجسدي والعاطفي والجنسي والاقتصادي، والتهديدات والابتزاز والتحكم العاطفي. حيث يستهدف شريك الحياة بالدرجة الأولى ، سواء كان زوجًا أو شريكًا من غير زواج ، كما يمس أيضا الأطفال وكبار السن في الأسرة.

و تعمل دول الغرب على مكافحة العنف الأسري من خلال تطوير التشريعات والسياسات التي تحظر العنف وتوفر الحماية للضحايا. إذ تشمل هذه التدابير زيادة العقوبات القانونية للمرتكبين، وتوفير دعم ومساعدة للضحايا من خلال خدمات الملاذ الآمن والاستشارة النفسية والمساعدة القانونية.

كما تُعَدُّ المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الاجتماعية والصحية في دول الغرب شركاء رئيسيين في التصدي للعنف الأسري. حيث تقدم هذه المؤسسات دعمًا ومساعدة للضحايا، بما في ذلك الملاذ الآمن والتدريب والتوعية والتثقيف حول العنف الأسري.

على الرغم من التقدم الذي تحقق في مجال مكافحة العنف الأسري في دول الغرب، إلا أنه لا يزال هناك تحديات مستمرة، حيث يجب العمل على زيادة الوعي العام من أجل تفادي هاته الآفة الاجتماعية .

ماذا عن العنف الأسري في الدول العربية ؟

العنف الأسري هو مشكلة موجودة أيضًا في الدول العربية، وتتفاوت طبيعته ومظاهره وأسبابه من بلد لآخر وفقًا للثقافات والقيم الاجتماعية والتشريعات المحلية. ويعتبر العنف الأسري تحديًا اجتماعيًا وصحيًا خطيرًا يؤثر على العديد من الأسر في المنطقة العربية.

تشمل أشكال العنف الأسري في الدول العربية العنف الجسدي، والعنف النفسي، والعنف الجنسي، والاقتصادي. وقد يشمل أيضا ، التهديدات والإهانات اللفظية والاحتجاز غير المشروع والتحكم العاطفي والزواج المبكر والضرب والتهديد بالطلاق وغيرها من أشكال العنف .

في الدول العربية، هناك جهود متزايدة لمكافحة العنف الأسري وتوفير الحماية للضحايا. تشمل هذه الجهود إصدار التشريعات والقوانين التي تجرم العنف الأسري وتوفر العقوبات للمرتكبين، بالإضافة إلى إنشاء وتعزيز الهيئات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية المختصة بمكافحة العنف الأسري.

هذا و تعمل المؤسسات والمنظمات المجتمعية في الدول العربية على تقديم الدعم والمساعدة للضحايا من خلال خدمات الاستشارة النفسية والقانونية والتوعية بحقوق الأفراد والتثقيف حول العنف الأسري. كما يتم توفير الملاذ الآمن والمراكز الاستشارية وخدمات التوجيه والتوعية للمساعدة في مواجهة هذه المشكلة.

وعلى الرغم من التحسينات التي تحدث في مجال مكافحة العنف الأسري في الدول العربية، إلا أن هناك حاجة للمزيد من الجهود والتوعية للتصدي لهذه المشكلة. يتطلب ذلك تعزيز الوعي العام وتدريب المهنيين في المجال الصحي والاجتماعي والقانوني على التعرف على علامات العنف الأسري والتعامل مع الضحايا بشكل مناسب وتقديم الدعم المناسب لهم.

وتعتبر التغييرات الاجتماعية والتشريعية والتعليمية والتوعوية أساسية في تحقيق تقدم ملموس في مكافحة العنف الأسري في الدول العربية وبناء مجتمعات صحية ومستدامة .

تأثير العنف الأسري على الأطفال القاصرين و بالخصوص الإناث .

العنف الأسري يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الأطفال القاصرين، وخاصة الإناث، حيث يمكن أن يتسبب في تأثيرات سلبية على صحتهم العاطفية والنفسية والاجتماعية والتعليمية. إليك القارئ بعض التأثيرات الشائعة للعنف الأسري على الأطفال القاصرين والإناث بشكل خاص :

  1. مشاكل الصحة العاطفية والنفسية : يتعرض الأطفال القاصرين للعنف الأسري لمشاعر الخوف والقلق والاكتئاب، وقد يعانون من انخفاض التقدير الذاتي ومشاكل في التكيف الاجتماعي. قد يعانون أيضًا من اضطرابات النوم والأكل وصعوبات في التركيز والتعلم.
  2. تأثيرات التطور العاطفي والسلوكي : يمكن أن يؤدي العنف الأسري إلى تشويه علاقة الطفل بوالديه وقد يتسبب في صعوبات في بناء علاقات صحية مع الآخرين. قد يتظاهر الأطفال المعنيون بالعنف الأسري بسلوك عدواني أو انعزالي أو يعانون من صعوبات في التحكم في الغضب.
  3. تأثيرات التعليم والتطور الأكاديمي : قد يتأثر التعليم والأداء الأكاديمي للأطفال القاصرين المعنيين بالعنف الأسري. كما يمكن أن يتسبب العنف في انقطاع الدراسة وغيابات متكررة وصعوبات في التركيز والتحصيل الدراسي.
  4. الصحة الجسدية : قد يعاني الأطفال القاصرين المتعرضين للعنف الأسري من مشاكل صحية جسدية مثل الإصابات البدنية والألم المستمر والصداع والمشاكل الهضمية. قد يؤدي التعرض للعنف إلى تراجع النمو وتدهور الحالة الصحية بشكل عام.

تأثير العنف الأسري على الأطفال القاصرين والإناث لا يقتصر فقط على الآثار الفردية، بل يمتد أيضًا إلى المستوى الاجتماعي والمجتمعي، حيث يمكن أن يؤدي إلى تكرار دورة العنف وتأثير سلبي على العلاقات الشخصية والحياة الاجتماعية في المستقبل.

من الضروري العمل على توفير الدعم والحماية للأطفال القاصرين المعنيين بالعنف الأسري، وذلك من خلال توفير الرعاية النفسية والاجتماعية المناسبة، وتقديم المساعدة القانونية والتثقيف حول حقوق الطفل والتوعية بأشكال العنف الأسري وطرق التبليغ والتدخل السريع .

العنف الأسري بين القانون الوضعي و التشريع الإسلامي .

العنف الأسري يعتبر مخالفة للقانون والتشريع في العديد من الدول حول العالم، بما في ذلك الدول العربية والإسلامية. و سأقدم لك نظرة عامة على العنف الأسري من منظور القانون الوضعي والتشريع الإسلامي :

  1. القانون الوضعي :
    في الدول التي تتبع القانون الوضعي، يُنظَم العنف الأسري بمجموعة من القوانين والتشريعات المحلية. حيث يتم تجريم العنف الأسري ، وتعتبر الممارسات العنيفة داخل الأسرة جرائم قابلة للملاحقة القانونية. و تتم معاقبة المرتكبين ، وتوفير الحماية والدعم للضحايا. كما أن التدابير القضائية قد تشمل تشريعات حماية الأسرة والقوانين المدنية والجنائية المتعلقة بالعنف الأسري.
  2. التشريع الإسلامي :
    التشريع الإسلامي يحكم بمجموعة من القوانين والمبادئ الدينية التي تنظم حياة المسلمين. بشكل عام، يُعتَبر العنف الأسري مخالفًا للتعاليم الإسلامية التي تدعو إلى الرحمة والعدل وحسن المعاملة. الإسلام يؤكد على أهمية حقوق الأسرة وواجباتها، ويحث على الاحترام والمحبة والعدل في العلاقات الأسرية.

وفي إطار التشريع الإسلامي، توجد توجيهات ومبادئ شرعية تهدف إلى منع العنف الأسري وحماية الأفراد. كما يُعتبر العنف ضد الأفراد في الأسرة من الآثام الكبيرة والمحظورة شرعًا. وقد تتضمن تلك التوجيهات الدعوة إلى حسن المعاملة والعدل بين الزوجين، واحترام حقوق الأبوين والأطفال، وتوجيه الأزواج للتعاون وحل المشكلات بشكل سلمي ومن خلال الحوار.

ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن التطبيق العملي للتشريع الإسلامي يختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر. فبعض الدول الإسلامية قد اعتمدت قوانين خاصة لمكافحة العنف الأسري وحماية الضحايا، في حين قد تواجه دول أخرى تحديات في تطبيق التشريعات بشكل فعال.

و ختاما ، يجب على الدول والمجتمعات العمل على تعزيز الوعي والتثقيف حول ضرورة مكافحة العنف الأسري بمختلف الأطر القانونية والدينية، وتعزيز الحماية والدعم للضحايا وتعزيز العدالة والتوعية للوقاية من العنف الأسري في المجتمعات .

Exit mobile version