الجريدة العربية – الأستاذ إدريس زياد
لا أخاف على سوريا من شكل نظامها القادم من الشمال السوري، بل ما أخافه هو خضوع هذا النظام أمام الشروط الغربية وإملاءات قد تفرضها الوحدات العسكرية السورية التي جرى تدريبها في قاعدة التنف الأمريكية الأردنية جنوباً، أو تلك التي خدمت الروس في درعا وفصائل السويداء الدرزية وقوات قسد ومسد الكردية، ونخب عاشت في عدة عواصم عربية وغربية، لم تتألم في مخيمات الشمال السوري بين البسطاء والفقراء، ولم تخسر منازلها ولا أولادها في جبهات القتال، ولم تعاني الجوع والحرمان، وما أخافه في ظل بناء دولة رخوة أن تتحالف هذه القوات والنخب مع بقايا نخب النظام السابق، وتلتقي جميعها خلف منع تمكين الإسلام السُني، وعودة سوريا تحت حكم الأقليات مجدداً، لكن في ظل نظام عميل رمادي أو معادي للقضية الفلسطينية…
فرح السوريون بأخبار تحرير أرض إخوانهم الأكراد في شرق الفرات السوري، من عصابات قسد، وهروب قياداتهم التي تنتمي لأقليات مذهبية ودينية احتلت أرض الأكراد السُنة، غالبيتهم سُنة نخبتهم المحكمة من الأشور والسريان والأزيدية والنصيرية واللادينيين بذريعة القومية الكردية، وأسست كياناً حليفاً لدولة الكيان الغاصب، فهربوا بعد تراجع القوات الأمريكية التي كانت تحميهم، بعد تقدم قوات الإدارة السورية بمساعدة الطيران الحربي التركي ومُسيرات بيرقدار شرق حلب وفي محافظة الرقة…
ليست هناك نظرة سلبية تجاه الأقليات، ولكن تجاه تلك الروح العفنة التي اتصفت بها نخب الأقليات في المشرق، وكانت سبباً في جلب كل أشكال الإحتلال الأجنبي عبر كل مراحل الصراع في تاريخ المنطقة، أصبح للسوريين دولة يجتمعون فيها، يشعرون فيها بشيء مِن بعضِ دفىء الوطن، بدلاً من منافيهم في الشتات، وأنها دولة ثرية بسكانها ونخبتها ومواردها وموقعها، لكن تحدياتها كبيرة وأكبرها كونها تُشرِف على بؤرة من أهم بؤر الصراع، ولطالما أسقطت هذه البؤرة ايديولوجيات ودول…
لا بأس لِما يجري في سوريا مهما كانت عثراته ومواقفه المؤقتة والراهنة، لأن سوريا لأول مرة لا تُحكم وفق منطق القبيلة ولا وفق حزب فاشستي وافد من خلف حدود الحرب الباردة، ولا من خلال نخبة بعض المكونات المذهبية والدينية والعرقية قليلة العدد وكثيرة الصياح، لأول مرة يُعاد لسوريا روحها العتيقة والأصيلة المفقودة منذ ما يقرب من قرن، نحن على أبواب دولة فتية وشابة، ومتصالحة مع ثقافة غالبية مكونات سوريا…
أصبح حكم سوريا اليوم من شبابها ونخبة أهلها، ممن جرى تهجيرهم من كامل الجغرافيا السورية إلى الشمال، وأسسوا طوال أربعة عشر عاماً في الشمال السوري نظاماً متكاملاً، وحازوا على قدر من العلوم والتدريب والخبرة، ونسجوا علاقات إقليمية ومحلية وازنة، وَخبروا أحوال الناس والأمم والمجتمعات، وبرز من بينهم رجال دولة داخل ذلك النموذج المُصَغَر، أسسوا الكليات والمعاهد العلمية والعسكرية، والبنوك ومؤسسات المجتمع، وأبدعوا في قطاع الخدمات والإدارة، ووفروا بيئة اقتصادية واعدة ومزدهرة في الشمال السوري، مما أهّلَهُم ووفر لهم كل مقومات القوة، ولم ينقصهم سوى مشهد من مشاهد التدافع التاريخي، يزيل من أمامهم بعض العقبات في وجه دولة كانت قد شاخت، ولم تُحسن ضخ دماء جديدة في سواقيها الأسِنة…
لكن إذا اتخذ الإسلاميون السنة العرب من دمشق ملاذاً لهم في هذه المرحلة فهم ودمشق في خطر، سوريا اليوم ما زالت دولة محمولة على سفينة باتجاه الإستقرار على الشاطىء، فعلى الإسلاميين المنفيين في قطر وتركيا وغيرهما تحت مسمى (الإرهاب) وخاصة المقاومون منهم، يجب عليهم ترك سوريا تستقر وعدم المساهمة في إغراقها قبل أن تصل إلى بر الأمان.