الجريدة العربية – الأستاذ إدريس زياد
يوم تاريخي له ما بعده كبداية لتنسم طعم الحرية بعد أن صدعت المآذن اليوم بالتكبير والتهليل في دمشق بعد سقوط نظام عائلة الأسد، وما كان ذلك ليحدث لولا صبر وتضحيات أهل الشام بعد أن التقى ثوار الجنوب وثوار الشمال في دمشق وجاء النصر العظيم، تحررت سوريا من طغيان الظلم والجور، وعادت إلى أهلها حرة أبية كما كانت وكما ينبغي لها أن تكون. إنها لحظة تاريخية تعانق فيها السماء دعوات الأمهات المكلومات، وصرخات الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم، ودماء الجرحى الذين آمنوا أن فجر الحرية سيبزغ لا محالة، نبارك لجميع السوريين هذا النصر العظيم، مبارك لكل سوري حر، ومبارك لوطنٍ يستحق الحياة، نسأل الله أن يكون هذا التحرير بداية عهد جديد من العدل والكرامة والوحدة، وأن يجمع شتات شعبهم ويعيد البناء بقلوب مؤمنة وأيدٍ متكاتفة…
إن الشعوب إذا قام طوفانها ستنتصر، فبمجرد ما تخلى عنه حلفاؤه سقط بسرعة البرق، خطوة تأخرت إحدى عشر سنة، انتهت حقبة التواجد الإيراني في المنطقة، وقُطعت طريق طهران بغداد دمشق بيروت التي ستصبح من الماضي، سوريا تحررت من نظام الإجرام (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)، للذين يتساءلون هل يتعلم الطغاة من الدرس؟ هل تعلم الأسد من درس القذافي وبن علي وعلي عبد الله صالح؟ طبعا لا، أخذته العزة بالإثم وواصل في طغيانه، وهل تعلم القذافي وغيره من درس صدام حسين؟ أكيد لا، وهل تعلم صدام من درس شاه إيران؟ إطلاقاً، إذاً الحقيقة الواضحة أن الطغاة مثل الغزاة تلميذ غبي لا يفهم الدرس وإن تكرر أمامه مرات ومرات…
سنن الله في التدافع والتداول وفي زوال الظلم وعدم إصلاح عمل المفسدين تؤكد أن أنظمة الحكم الجائرة المستبدة إلى زوال، وأن للشعوب كلمة ستقولها إذا شاء الله ذو القوة المتين تسترد فيها كرامتها وحريتها، فرأس مال الدولة ليس في قوتها ولا خوف الشعب منها، بل قِيَمها في العدالة والمساواة والكرامة والخدمة، وعدم التهاون في تطبيق القانون بصرامة على الجميع، ربما يكون المسؤول سبّاحاً ماهراً لكن ثورة الشعب إذا قامت فهي كالموجات الكبيرة العاتية لا يمكنك الوقوف أمامها، يسعك أن تهرب منها إلى الأمام أو تنحاز إلى أطرافها بمحاولة استيعابها، إنّك إذا أخمدتَ موجةً أو موجتين أو ثلاثة فإن قوة الموجة ستكمن في باطن الأرض ثم تتحول إلى زلزال يقلب الأرض على الجميع، عندما تتنازل لشعبك فإنك لا تتنازل لعدوّك، وعندما تتهم شعبك بأنّه عدوّ فإنّك ستصبح عدوّ شعبك، وعندها لن تكون منهم…
نسأل الله تعالى أن يكتب لهذا الشعب الصابر المظلوم في سوريا أجره، ويعينهم على القادم من الأيام، فما زالت الأمواج كبيرة، وأيادي المتدخّلين الباحثين عن اللقمة تنحشر في العجين، وما زال المذاقُ مغرياً للطامعين، وألا تتكالب عليهم الأيادي كما يتكالب الأكلة على القصاع، وهذا وقت حماية الثورة، والشروع في البناء والتعمير، وأن تحافظ المعارضة على انتصارها، وتثبّت وحدتها، وتفشل مخططات المتربصين لإدخال سوريا في دوامة عنف تقود للتقسيم.