أعمدة الرأي : الأستاذ إدريس زياد .
حراك غير طبيعي في منطقة الشرق الأوسط ، ولي عهد أبو ظبي في مصر ، و رئيس الوزراء الإسرائيلي ” نفتالي بينيت ” أيضاً هناك ، و ملك الأردن في رام الله ، و لأول مرة بعد دمار سوريا ” بشار الأسد ” في الإمارات ، و رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي ” رونين بار ” في واشنطن ، و وزير الخارجية الإسرائيلي ” يائير لبيد ” في عمان ، و ” جانتس ” وزير الحرب الإسرائيلي استضاف في بيته ” محمود عباس “، هل هذا الحراك لمنع التصعيد المتوقع في المنطقة ، أم أن الأمر أكبر من ذلك بكثير ؟ أم أن هذا الحراك له علاقة بإيران ؟ أم نية لإحداث شيء ما ، أم شيء آخر يُحاك في الظلام ؟
أكثر من ربع قرن على أول تدخل عسكري أمريكي مباشر في الحرب الأولى على العراق، بعدها تمّ غزو أفغانستان عام 2001 والعراق ثانياً عام 2003، والتدخل العسكري الأمريكي المباشر في أجزاء من سوريا، وسبق كل هذه الأحداث هالة من العَظمة اجتاحت العالم العربي والإسلامي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وتراجع النفوذ البريطاني والفرنسي، ما أتاح لأمريكا القدرة على التأثير الغير مباشر في رسم خرائط سياسية في عدد من بلدان العالم العربي والإسلامي، واستغلت الصراعات وبؤر التوتر الملتهبة قرب الحدود وبين الأقليات في بعض المناطق جغرافياً وسياسياً ودينياً و مذهبيا…
حافظت أمريكا على هذه الهالة إعلامياً عن طريق بعض القنوات، خصوصاً قناة الجزيرة القناة الوحيدة التي لا يستغني عن سماعها كل مهتم بالشأن العربي والعالمي وهي الأولى على مستوى العالم العربي، وتبث من قلب الحدث وفي أحلك الظروف وقد استشهد من موظفيها في غزة والعراق وليبيا ومصر وسوريا وأصيب عدد من طواقمها وزُجّ بعدد منهم في السجون، وذلك لأنها ليست على هوى الأنظمة الفاسدة، وهي أفضل فضائية تغطي الأحداث وتنقل أبرز الوقائع العالمية فمن مصلحتها إبراز المهنية و الاحترافية في نقل الأخبار والأحداث في الحروب، نتمنى أن تتسم بحيادية أكثر حتى لا تتعرض مصداقيتها للاهتزاز…
عززت أمريكا مكانتها في المنطقة بعد حرب الخليج الثانية، وأظهرت حجم تفوقها العسكري وقدرتها على الحشد والتدمير عند الإطاحة بنظام صدام في العراق واحتلال أفغانستان، لكنها وقعت في فخ اختبار تجربتها عبر تدخلها المباشر على الأرض لأول مرة، فرافق ذلك الخسائر و الاستنزاف نتيجة تقلب الحلفاء وتضارب مصالح الحكومات والأحزاب وشراسة المقاومة، الشيء الذي جعل أمريكا تفقد السيطرة والتحكم منذ اللحظة الأولى لنزول أول جندي أمريكي على التراب العراقي والأفغاني…
إقرأ أيضا : ما بين المباح والمحرم توجد أمور مشتبهات جدلية التلاعب بالمعايير في معادلة التطبيع مع إسرائيل . الكاتب الصحفي الأستاذ عبد الله مشنون
إسرائيل ظهرت كقوى إقليمية ودولية استطاعت أن تمارس دورها وتدافع عن سيادتها وتفرض شروطها دون الانصياع للسياسة الأمريكية، فكانت هي إحدى أهم الأسباب الفاعلة التي قيدت دور الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وأفقدتها هيبتها وأربكت مصالحها وتحالفاتها، وكانت الأزمة السورية هي العنوان الذي أسهم في تعزيز تهميش الدور الأمريكي لصالح السياسة الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط، مما ترك حلفاء أمريكا من دول وقوى للمجهول، حدث ذلك حينما نجحت السياسة الإسرائيلية في سحب ملف المنطقة من يد أمريكا عبر الإعتماد على اللوبي الصهيوني في واشنطن، حيث سمح لها بإبرام اتفاقيات مع روسيا وبلدان عربية وإقليمية لصالح الرؤية الإسرائيلية حول مستقبل سوريا، ولم يستطع كل الفرقاء في السياسة الدولية إلى اليوم بناء نظام سياسي سوري موحد على كامل الجغرافيا السورية نتيجة الفيتو الإسرائيلي، رغم أن العمل على توحيد الجغرافيا السورية وبناء دولة موحدة سيسهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين، إلا أنه من مصلحة إسرائيل أن تبقى سوريا في حالة الضعف والتجزئة، وليس من مصلحتها أن ينجح بشار الأسد في فرض سيطرته على كامل الجغرافيا السورية ولا حتى أن تنجح المعارضة السورية، لأن إسرائيل لا يمكنها الوثوق بنظام يخلف نظام سوريا الحالي، فمن مصلحتها بقاء نظام تعرف مستواه وقدرته، وهي في حالة اطمئنان وأمان جزئي على طول جبهة الشمال، وكذلك تنسيق متبادل على مستوى الأمن والمعلومات بينها وبين روسيا، الشيء الذي جعل روسيا تلعب دوراً مؤثراً على صعيد السياسة العالمية، وجعلها تُمسِك زمام إحدى أهم ملفات الشرق الأوسط، وبذلك تكون قد استشعرت أهمية دورها ولاحظت عجز أمريكا وتآكل هيبتها…
انعكست نتائج الأزمة السورية على السياسة الأمريكية في أفغانستان، فجاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في نهاية عام 2021 ليؤكد هذا الانهزام تآكل الدور الأمريكي في المنطقة والعالم، فترتب على هذه التحولات انتعاشه صانع السياسات في روسيا دفعته نحو استخدام المزيد من القوة في تعامله مع الملفات والقضايا العالقة بينهُ وبين حلف الناتو، وجاء الاقتحام الروسي لأوكرانيا ليفضح مشهد تآكل الهيلمان الأمريكي، هذه التحولات أكدت لعدد من الحلفاء أن المراهنة على دور أمريكا لن ينفع العديد من الأنظمة ولسوف تبقى وحيدة في وجه العاصفة، ولن تجني سوى بعض التعاطف الإعلامي وقليل من الأسلحة والمواد الغذائية، خرائط التحالفات ستتغير على غرار الأزمة الأوكرانية، والعديد من القوى والبلدان سوف تبحث عن حلفاء جدد في ظل تقهقر حضارة الغرب وتراجع حلف الناتو، وكل هذا واضح من خلال السياسة التي تغيرت بين ليلة وضحاها عند دولة الإمارات العربية تجاه العلاقات مع روسيا وتركيا وسوريا ومحاولة الانفتاح على إيران، المملكة العربية السعودية كذلك أعلنت عن سبب عدم موافقتها على زيادة إنتاج النفط ولن تضمن تدفق النفط في ظل الهجمات الإرهابية الحوثية عليها وعلى حقول النفط، يعني عدم حمايتها من طرف أمريكا ضد هجمات الحوثيين، وربما التقارب الأمريكي الإيراني والأخبار عن رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب يكون كذلك سبباً آخر، ما يبين بأن المرحلة القادمة ربما تكون مرحلة إيران وستكون لها كلمة في المنطقة، وهي الآن تتدلل بدليل أن الكل يخطب ودها أمريكا، روسيا، الصين…
الإعلام المنحاز للغرب والغير المحايد يميل إلى الجانب الأوكراني، إذ يركز على إظهار خسائر الروس، ويندر الحديث عن خسائر أوكرانيا في الجانب العسكري، وهناك شك أن الروس تكبدوا خسائر كبيرة وقتل منهم الآلاف، والطائرات المسيّرة وصواريخ جافلين دمرت العشرات أو المئات من دباباتهم ومركباتهم، ولكن في نفس الوقت هناك يقين أن الجيش الأوكراني مُنِيَ بخسائر أشد، وفَقَدَ معظم قدراته التسليحية وقتل منه أيضاً الآلاف، روسيا لن تتراجع في حربها على أوكرانيا حتى تحقق أهدافها حتى لو أدّى الأمر إلى استخدام السلاح النووي، وتورطها بحرب استنزاف وارد، لكن إذا تم ذلك فلن تكون لأوكرانيا مدن ومباني وبنية تحتية، فتاريخ روسيا معروف بتدمير المدن، وفي أسوأ الحالات ستكتفي روسيا بإعلان استقلال دونباس بعد تطهيره بالكامل، والسيطرة على بحر آزوف، وإيصال المياه للقرم، لكن قرار الغرب واضح باستنزاف روسيا، وكما هو متوقع روسيا تلجأ لسياسة الأرض المحروقة، و زيلينسكي يريد الصلح مع روسيا لكن أمريكا و أوربا تمنعانه من ذلك، وعملاء الدول الكبرى في نشاط دائب هذه الأيام، هل هناك مخاوف معينة تعتريهم من تغيرات محتملة؟