المغرب يُحدث قفزة نوعية في الاعتراف بالشهادات الجامعية الفرنسية

الجريدة العربية – الرباط

في خطوة غير مسبوقة على مستوى القارة الإفريقية، أقرّ المغرب إصلاحًا إداريًا نوعيًا يعفي خريجي الجامعات الفرنسية من المساطر المعقدة للحصول على معادلة لشهاداتهم الأكاديمية، مما يُمكّنهم من الاندماج السريع في سوق الشغل الوطني أو متابعة مسارهم الأكاديمي دون عراقيل بيروقراطية.

الإجراء الجديد، الذي نُشر رسميًا في الجريدة الرسمية عدد 7392، ينص على الاعتراف التلقائي بالشهادات الجامعية المحصل عليها في المؤسسات العمومية الفرنسية، من إجازة وماستر ودكتوراه، ما يُنهي عقودًا من التعقيدات التي كانت ترهق الطلبة العائدين من فرنسا وتؤخر اندماجهم المهني.

وقبل هذا الإصلاح، كان الطلبة المغاربة الحاصلون على شهادات فرنسية يضطرون للخوض في مسار إداري شاق: ملفات مطولة، ترجمات موثقة مرتفعة التكلفة، وانتظار قد يتجاوز ستة أشهر قبل الحصول على رد من لجان المعادلة. وهي إجراءات كانت تُشكل ضررًا معنويًا ومهنيًا غير مبرر لشريحة واسعة من الكفاءات الشابة المغربية.

الوزير المكلف بالتعليم العالي، السيد عزالدين الميداوي، وصف النظام السابق بأنه “مرهق”، في إشارة إلى الحاجة الملحة لتبسيط المساطر الإدارية بما يخدم مصلحة الوطن أولًا ومصلحة كفاءاته ثانيًا.

الريادة المغربية في إفريقيا

بحسب بيانات Campus France لسنة 2024، فإن عدد الطلبة المغاربة المسجلين في الجامعات الفرنسية بلغ 45.162 طالبًا خلال الموسم الجامعي 2022-2023، أي ما يُعادل 11% من مجموع الطلبة الأجانب في فرنسا. هذا المعطى يُكرّس المغرب كأول بلد إفريقي من حيث عدد طلبته في الجامعات الفرنسية، متقدمًا بفارق واضح على باقي الدول الإفريقية.

وتُظهر مقارنة مع باقي الدول الإفريقية، ومنها الجزائر والسنغال وكوت ديفوار والكاميرون، أن هذه البلدان ما زالت تعتمد أنظمة تعجيزية للحصول على معادلة الشهادات، ما يضع خريجيها في مواجهة مباشرة مع بطء إداري وعبء مالي لا يُستهان به، في غياب أي مبادرة مماثلة لما أطلقه المغرب.

مكاسب وطنية على مستويات متعددة

هذا الإصلاح لا يُعد مجرد إجراء إداري، بل له انعكاسات اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، حيث يُسهم في تسريع إدماج الكفاءات في قطاعات حيوية مثل الهندسة، الصحة، والتكنولوجيا. كما يُجسد توجهًا حكوميًا واضحًا نحو رقمنة الإدارة المغربية وتبسيط الخدمات، بما يتماشى مع طموحات “المغرب الرقمي 2030”.

فضلًا عن ذلك، فإن هذه الخطوة تُعزز ثقة الطلبة المغاربة في التعليم الفرنسي، ما يضمن استمرارية العلاقات الأكاديمية التاريخية بين الرباط وباريس، ويدعم دينامية تبادل الكفاءات عبر الضفتين.

رغم أهمية القرار المغربي، فإن نطاقه لا يشمل الشهادات الصادرة عن الجامعات الخاصة أو تلك المحصّلة عن طريق التعليم الإلكتروني غير المعتمد رسميًا، مما يترك عددًا من الطلبة في منطقة رمادية قانونيًا. أما على الصعيد القاري، فإن غياب إطار موحد لمعادلة الشهادات، على غرار “نظام بولونيا” الأوروبي، يُعمّق الفجوة بين دول القارة ويُكرّس تفاوتًا واضحًا في فرص الشباب الإفريقي.

صحيح أن الاتحاد الإفريقي تبنّى “استراتيجية موحدة للتعليم العالي” ضمن اتفاقية أروشا المعدّلة، إلا أن هذه المبادرات لا تزال حبيسة الأوراق، وتفتقر إلى آليات تفعيل حقيقية.

ما قام به المغرب هو نموذج إصلاحي يجب أن يُحتذى به في باقي بلدان القارة، لأنه يكرّس مبدأ العدالة الإدارية، ويمنح القيمة الفعلية للكفاءة العلمية، ويُجسد توجه الدولة نحو بناء مؤسسات فعالة قادرة على مواكبة طموحات الجيل الجديد.

إنه انتصار للكفاءة على البيروقراطية، للعقلانية على الجمود، وللوطنية التي تُترجم بالأفعال، لا بالشعارات.

Exit mobile version