المغرب في عهد محمد السادس : قوة عسكرية صاعدة بإرادة سيادية ونهج استراتيجي متبصّر

الجريدة العربية – ذ. بوحافة العرابي *

في ظل القيادة المتبصّرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يواصل المغرب تعزيز مكانته كقوة إقليمية راسخة، ليس فقط في ميادين التنمية والاقتصاد والدبلوماسية، بل أيضًا في المجال الحيوي والحساس المتعلق بالأمن والدفاع.

فقد شهدت السنوات الأخيرة تحولًا عميقًا في الرؤية الدفاعية للمملكة، تقوم على مبدأ السيادة الوطنية الكاملة، والتحرر من التبعية، وبناء صناعة عسكرية مغربية متقدمة تواكب التحديات الإقليمية والدولية.

من استيراد السلاح إلى صناعة القرار

في زمن تتشابك فيه المخاطر، وتتعاظم التهديدات غير التقليدية في منطقة دول المغرب العربي و دول الساحل و جنوب الصحراء، من الحركات المتطرفة إلى التقلبات الجيوسياسية ، اختار المغرب أن ينتقل من موقع المستورد إلى موقع المنتج والفاعل. حيث لم يعد الاعتماد على الخارج كافيًا، فجاء القرار الاستراتيجي بإطلاق ورش بناء صناعة عسكرية وطنية حديثة، تستند إلى شراكات ذكية، وتراهن على نقل التكنولوجيا، وتكوين الأطر المغربية ذات الكفاءة العالية.

هذا التحول النوعي لم يكن قرارًا تقنيًا صرفًا، بل تعبيرًا عن إرادة ملكية سامية تسعى إلى ترسيخ السيادة الدفاعية للمملكة، وتأمينها من أي ابتزاز محتمل، وإعطائها الوسائل الضرورية لحماية أمنها القومي ومقدساتها الترابية.

شراكات نوعية تعزز الاستقلالية

من خلال اتفاقيات إستراتيجية مع دول كالهند والمملكة المتحدة، يُثبت المغرب قدرته على بناء توازن في شراكاته الدولية. فخلال زيارة وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية ديفيد لامي يوم 2 يونيو، تم توقيع اتفاقيتين حيويتين بمشاركة الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، وإدارة الدفاع الوطني المغربية، ومجموعة ADS البريطانية الرائدة.

تتجاوز هذه الاتفاقات مجرد التوريد، لتشمل إنشاء بنيات صناعية على الأراضي المغربية، وتكوين مهندسين وتقنيين محليين، ونقل الخبرات الحديثة، مما يجعل من بريطانيا أول شريك غربي ينخرط فعليًا في تطوير الصناعات الدفاعية بالمغرب. إنها نقلة نوعية تؤسس لمرحلة جديدة من الإنتاج الوطني العسكري المستقل.

صناعة دفاع وطنية… خيار استراتيجي للمستقبل

لا يقتصر الطموح المغربي على التزود بالأسلحة، بل يرتكز على تصنيعها محليًا وتطوير تقنياتها بأيدٍ مغربية. إنها رؤية قائمة على السيادة التقنية والتحكم في القرار، تُقارن بما قامت به دول طموحة كتركيا، التي تحوّلت إلى فاعل صناعي عسكري إقليمي.

إن امتلاك القدرة على التصنيع يضع المملكة في موقع قوة تجاه تقلبات السوق الدولية ومواقف بعض المزودين الكبار، كما يُتيح لها مجابهة أي ظرف طارئ دون الاعتماد الكلي على الخارج. وفي الآن ذاته، تسهم هذه الدينامية في خلق فرص شغل نوعية، وتعزيز البحث والابتكار، وتقوية النسيج الاقتصادي الوطني.

المغرب… شريك أمني موثوق في إفريقيا

إن النهج المغربي في الدفاع لا يقتصر على الداخل، بل يمتد ليكرّس المملكة كشريك أمني مسؤول وفاعل في القارة الإفريقية. فمن خلال تطوير صناعة عسكرية تنافسية، يتأهب المغرب ليكون موردًا موثوقًا للحلول الأمنية والتقنيات الدفاعية في بيئة إقليمية بحاجة ماسة إلى ذلك.

ويُعد هذا التوجه امتدادًا طبيعيًا لدور المغرب الريادي في حفظ الاستقرار والسلم في إفريقيا، خاصة بفضل الخبرات التي راكمتها القوات المسلحة الملكية في مهام حفظ السلام، وتدريب الجيوش الصديقة، والتنسيق الأمني مع شركاء قارّيين ودوليين.

إرادة ملكية تؤسس لقوة مغربية ذات أفق بعيد

إن ما نشهده اليوم ليس مبادرات ظرفية معزولة، بل جزء من رؤية متكاملة يقودها جلالة الملك محمد السادس، ترتكز على إدماج الأمن في معادلة التنمية والسيادة الوطنية. فالصناعة العسكرية لم تعد ترفًا، بل شرطًا لازمًا لحماية المكتسبات، والدفاع عن الوحدة الترابية، ومواجهة التحديات المتزايدة.

في العهد الرشيد لصاحب الجلالة، أصبح المغرب نموذجًا في كيفية الربط بين التحديث والتموقع الاستراتيجي، بين الدفاع والاقتصاد، بين الوطنية والانفتاح الذكي على الشراكات الدولية.

وبهذا، يخطّ المغرب طريقه نحو قوة هادئة، رزينة، لكن حازمة، تعرف متى تحمي، ومتى تُصدّر الأمن، ومتى تُثبت للعالم أن السيادة تبدأ من القدرة على الاكتفاء، وليس من التبعية لقرارات الآخرين.

_____________________________________________________

* ذ. بوحافة العرابي باحث أكاديمي في مجال الصحافة والإعلام الإجتماعي و السياسي، وكاتب صحفي مقيم بأوروبا، يشغل منصب رئيس هيئة التحرير ومدير النشر بالجريدة العربية
Exit mobile version