الجريدة العربية *
في كواليس الإدارة الترابية للمملكة، يقف القياد، والباشاوات، ورؤساء الدوائر في صمت على خط التماس اليومي بين الدولة والمواطنين. إنهم الحراس الميدانيون للاستقرار، والذراع التنفيذية التي تسهر على تطبيق القانون وضمان حسن سير المرافق العمومية، في كل القرى والمدن، من أقصى جنوب المملكة إلى أقصى شمالها . ومع ذلك، فإن هؤلاء الجنود المرابطين لا يزالون يواجهون واقعًا صعبًا تُهيمن عليه هشاشة التقدير المادي وغياب الإنصاف الوظيفي، وهو ما يزرع شعورًا بالمرارة والانفصال بين جسامة المهام وضعف الاعتراف.
ففي الوقت الذي يراهن فيه المغرب على تعزيز حكامة القرب وتوطيد الدولة الاجتماعية، تبدو أوضاع أعوان السلطة وكأنها تغرد خارج هذا المسار، حيث لا تزال الرواتب على حالها، مجمدة أمام متغيرات الواقع ومتطلبات المهنة. مهنة تفرض على صاحبها يقظة مستمرة، واستعدادًا نفسيًا وميدانيًا دائمًا، ومهارات دقيقة في التوفيق بين الحزم والحكمة، خاصة في إدارة الأزمات، وحل النزاعات، ومواكبة الأوراش التنموية داخل المجال الترابي.
ورغم حساسية المهام، فإن هؤلاء الأعوان ممنوعون قانونيًا من تأسيس نقابات أو الاحتجاج الجماعي، ما يجعلهم محاصَرين في دائرة الصمت، حيث تتراكم المطالب ويغيب المنبر. إنهم يعيشون عزلة مهنية حادة، تتغذى من شعور داخلي بالإجحاف، وتُنذر بتآكل تدريجي في الحماس والانخراط، قد يُفضي في بعض الحالات إلى الانسحاب النفسي أو الوظيفي.
وفي تصريح خاص لمجلة “ماروك ديبلوماتيك“، عبّر أحد القياد العاملين بإقليم كلميم، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، بقوله: “نحن صلة الوصل المباشرة بين الدولة والمواطن، نشتغل في ظروف صعبة، بوسائل محدودة، وتحت ضغط دائم… ومع ذلك، تبقى أجورنا دون المستوى، وهذا يولد شعورًا عميقًا بالحيف”.
هذا الحيف لا يقتصر على البُعد المادي، بل يتجاوزه إلى الحرمان من آلية الترافع الجماعي المشروع، ما يؤدي إلى إحساس متزايد بالتهميش، ويؤثر تدريجيًا على نجاعة الأداء المهني في قلب الإدارة الترابية.
إن الخطر الذي يلوح في الأفق لا يتعلق فقط بعدم رضا فئة من الموظفين، بل يمس جوهر الدولة نفسها، لأن أعوان السلطة هم اللبنة الأولى في بناء الثقة المؤسساتية، وهم خط الدفاع الأول ضد التفكك الاجتماعي والانفلات الأمني، خاصة في المناطق الهشة.
ومن هذا المنطلق، فإن إعادة النظر في أوضاعهم لم تعد ترفًا أو امتيازًا، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز العمق الترابي للدولة المغربية، وتأمين فعالية تدبير الشأن المحلي، ومواكبة التحولات الكبرى التي تنخرط فيها المملكة، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.