الجريدة العربية – ذ. بوحافة العرابي *
في ظل كثرة اللغط و الهرج الذي تعرفه حقبة عبد اللطيف وهبي وزير العدل الحالي ، فقد شهد عام 2024 في المغرب عامًا حافلًا بالأحداث والتطورات في الساحة القضائية، حيث تميز بإصلاحات كبرى، لكنَّه أيضًا لم يخلُ من تحديات كبيرة تمثَّلت في موجة الغضب العارمة التي تعرفها مسودة مدونة الأسرة ، زيادة على الاحتجاجات والمواجهات بين العاملين في القطاع القضائي والجهات المسؤولة. وقد كان لهذا التأثير انعكاسات واضحة على سير العدالة، إلا أن النظام القضائي تمكن من تحقيق إنجازات ملحوظة في تحسين الأداء والانتقال الرقمي وتعزيز الأخلاقيات القضائية.
القضايا المعالجة وتحسين الأداء
رغم التحديات و الصعوبات ، فقد سجلت المحاكم المغربية أرقامًا مميزة في معالجة القضايا. حيث بلغ عدد القضايا التي تمَّ النظر فيها حوالي 4,466,727 قضية خلال عام 2024. كما شهدت القضايا المعلقة انخفاضًا كبيرًا، إذ بلغت 577,851 قضية، وهو ما يمثل تراجعًا بواقع 142,760 قضية مقارنة بعام 2023.
محكمة النقض بدورها حققت تقدمًا مهمًا، حيث عالجت 52,904 قضية، مع انخفاض القضايا المعلقة بنسبة 9%، لتصل إلى 46,549 قضية فقط. ومن بين القضايا التي نظرت فيها المحكمة، صدرت 12,474 قرارًا بالإلغاء، ما يعكس نسبة 23.6% من الأحكام الصادرة. ورغم ذلك، أظهرت الإحصاءات استقرارًا ملحوظًا في الاجتهاد القضائي، حيث رفضت أو اعتبرت غير مقبولة 76.4% من الطعون المقدمة.
التزام بتحسين الزمن القضائي
أحد أبرز الأهداف الاستراتيجية التي تم التركيز عليها هو تحسين الزمن القضائي دون المساس بجودة الأحكام واحترام حقوق الدفاع. وقد أظهرت الإحصاءات أن 72% من القضايا المدنية والاجتماعية تُعالج ضمن الإطار الزمني المحدد، بينما يصل هذا المعدل إلى 75% في القضايا الجنائية و77.5% في القضايا التجارية.
و من جهته أشار محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى أن تحقيق هذه الأهداف تمَّ بفضل آليات متابعة جديدة تم تطويرها لمعالجة التأخيرات المتكررة، مثل التأخير في تبليغ الاستدعاءات وإجراء الخبرات. ورغم هذه الجهود، فقد شدد عبد النباوي على أهمية تحقيق التوازن بين تحسين الزمن القضائي وضمان احترام الإجراءات القانونية وحقوق الدفاع.
الإجراءات التأديبية وتعزيز النزاهة
وفي إطار تعزيز النزاهة والرقابة، أعلن المجلس الأعلى للسلطة القضائية عن اتخاذ إجراءات تأديبية بحق عدد من القضاة. حيث شملت هذه الإجراءات فرض عقوبات على 20 قاضيًا في الدرجة الأولى وتسعة آخرين في الدرجة الثانية، بما في ذلك عزل ستة قضاة أو إحالتهم إلى التقاعد الإجباري. في الوقت نفسه، تمت تبرئة 23 قاضيًا.
إلى جانب ذلك، أعدَّت المفتشية العامة 683 تقريرًا شملت 1,324 قاضيًا لتقييم أدائهم ومراجعة مدى التزامهم بالأخلاقيات المهنية. كما أطلقت المفتشية تحقيقات معمقة في ثمانية قضايا، وتم إحالة 92 تقريرًا إلى المجلس التأديبي، ما يعكس التزام السلطات القضائية بتعزيز النزاهة وتحقيق العدالة.
التحول الرقمي: ضرورة ملحَّة
وأكد عبد النباوي أن التحول الرقمي أصبح ضرورة ملحَّة وليس خيارًا، مشيرًا إلى أن أي تأخير في تنفيذ هذا التحول قد يعيق عمل النظام القضائي. وخلال عام 2024، تم اتخاذ خطوات كبيرة في هذا المجال، منها تطوير برمجيات لتوقيع الأحكام إلكترونيًا، وأنظمة للطباعة الآلية باستخدام التعرف الصوتي، ومعالجة الطلبات والدفع عبر الإنترنت.
كما حظيت البوابة الإلكترونية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بزيارة نحو 13 مليون مستخدم من 130 دولة، مما يعكس نجاح الجهود الرقمية. و في هذا السياق أعلن عبد النباوي عن خطط لتطوير برمجيات جديدة تهدف إلى تحسين الكفاءة وسرعة الإجراءات.
تعزيز الأخلاقيات القضائية
إلى جانب التحول الرقمي، أولى المجلس أهمية خاصة لتعزيز الأخلاقيات القضائية. أُطلقت حملات توعوية وبرامج تدريبية موجهة للقضاة والموظفين بهدف ترسيخ القيم المهنية. كما اختتم المجلس المرحلة الأولى من خطة استراتيجية تهدف إلى تنظيم العمل الجمعوي للقضاة وتعزيز التعاون بين الجمعيات المهنية والمؤسسات القضائية.
رؤية مستقبلية للنظام القضائي
مع نهاية عام 2024، بات واضحًا أن النظام القضائي المغربي قد خطا خطوات كبيرة نحو تحسين الأداء والشفافية وتعزيز الأخلاقيات. ومع ذلك، فإن التحديات التي واجهها خلال هذا العام تسلط الضوء على أهمية الاستمرار في تبني الإصلاحات والاستماع إلى احتياجات العاملين في القطاع.
إن التحول الرقمي وتعزيز النزاهة هما محوران أساسيان لتحقيق عدالة فعالة ومتطورة تلبي تطلعات المواطنين وتعزز الثقة في المؤسسات القضائية. ومع التزام المجلس الأعلى للسلطة القضائية بهذه الأهداف، فإن مستقبل العدالة في المغرب يبدو واعدًا وقادرًا على مواجهة التحديات المستقبلية.
مدونة الأسرة : ما مصير الزواج في ظل “المسودة المرة” ؟
وصف الرجل بأنه “ضحية” للإصلاحات الجديدة في مدونة الأسرة المغربية التي يشرف عليها وزير العدل عبد اللطيف وهبي ومن خلفه جيش مدجج من “الحداثيين” ، في صورة تعكس جدلاً مستمرًا حول تأثير هذه التعديلات على الأدوار التقليدية داخل الأسرة المغربية التي ألفت الحضور القوي للرجل . فالمدونة الجديدة تسعى لتحقيق المساواة بين الجنسين، ولكن هناك أصوات ترى أن الإصلاحات قد تكون جاءت على حساب “طحن” الدور المعتاد للرجل، مما قد يؤدى إلى شعوره بالتهميش في بعض في بعض مرافق التعديل الجديد .
مظاهر اعتبار الرجل ضحية :
- قيود التعدد:
التعديلات الجديدة التي جاءت بها مدون الأسرة جعلت من التعدد إجراءً شبه مستحيل، إذ تتطلب موافقة الزوجة الأولى وإثبات القدرة المالية والعدل بين الزوجات . و هنا يرى بعض الرجال أن هذا يُقيّد حقًا كان يُعتبر مشروعًا تاريخيًا بحكم الشرع و التقاليد . - الطلاق والنفقة:
تنظيم إجراءات الطلاق بشكل صارم جعل الرجل ملزمًا بدفع النفقات وتلبية مطالب مالية أخرى. و هنا أيضا يرى البعض أن هذا يؤدي إلى تحميل الرجل أعباء اقتصادية كبيرة قد تذهب به إلى خيارات عديدة ، و ممكن أن تزج به في عالم العلاقات غير المشروعة بعد تعذر استمرار الزواج الأول . - الحضانة والنسب:
الحضانة غالبًا ما تُمنح للأم، بينما يتحمل الرجل المسؤولية المالية بالكامل. هذا الواقع قد يترك الأب في دور يقتصر فقط على الالتزامات المادية ، من دون الحصول على حقوق متكافئة في تربية الأطفال كتلك التي حصلت عليها الزوجة الأم . - التراجع عن “سلطة الولاية”:
اعتماد مبدأ المساواة والمسؤولية المشتركة داخل الأسرة يُنظر إليه من قبل البعض كإضعاف لدور الرجل كـ”قائد” للأسرة، وهو ما قد يتناقض مع الأدوار التي رسّختها التقاليد. - العلاقات الرضائية و السعي لعدم “تجريم الزنا”:
فقد أثارت تصريحات وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي حول العلاقات الرضائية وعدم تجريم الزنا، جدلًا واسعًا في المغرب. حيث دعا الوزير إلى إعادة النظر في القوانين التي تُجرّم العلاقات بين البالغين برضاهم، معتبرًا أن هذه القضايا تدخل في إطار الحريات الشخصية ولا تستدعي التدخل القانوني إذا لم تسبب ضررًا اجتماعيا ماديا محضا . و لعل المؤيدين يرون أن هذا التوجه يعزز الحريات الفردية ويقلل من التدخل في الحياة الخاصة للأفراد ، بينما يعارضه عامة الشعب بشدة، معتبرين أنه يهدد القيم الإسلامية للنسيج المجتمعي المغربي . و من جهة موازية ، فالتعديلات المقترحة تثير جدلًا قانونيًا حول كيفية التوفيق بين احترام الحقوق الفردية والحفاظ على النظام العام المبني على أسس الشريعة الإسلامية . الأمر الذي عزز من حدة النقاش و الذي يعكس انقسامًا بين التوجهات الإصلاحية والتمسك بالتقاليد ، مما يبرز لدينا قيمة وأهمية الحوار بين ممثلي الأطراف المعنية ، لإيجاد توازن يحترم تنوع المجتمع المغربي و أصالته .
ولعل المتابع عن كثب للوضع الراهن ، و الصراع المرير – بين القلة التي ترى في نفسها أنها مقود الإصلاح ، و بين الفئة الكبيرة من الشعب التي ترى أنها ضحية مستهدفة في قيمها الدينية و المجتمعية – قد يقول أن عبد اللطيف وهبي، بصفته وزيرا للعدل، يدفع نحو إصلاحات تتماشى مع التحولات العالمية في مجال حقوق المرأة والأسرة . زبكن ومع ذلك، هذا الأمر يثير توترًا في مجتمع لا يزال يقدّر الأدوار التقليدية، مما يجعل إدماج هاته الإصلاحات يبدو للبعض وكأنها هجوم على “حقوق الرجل”.
هل الرجل ضحية حقًا في زمن مدونة وهبي ؟
وصف الرجل بالضحية قد يكون مبالغًا فيه، إذ تهدف المدونة إلى تحقيق العدالة والمساواة. وهذا التحدي الأساسي يتمثل في إيجاد توازن عادل بين حقوق وواجبات الطرفين. و يبدو أن مصطلح الرجل يمر الآن بمرحلة إعادة تعريف دوره داخل الأسرة والمجتمع، وهي مرحلة ضرورية رغم ما تحمله من صعوبات، في ظل التحولات الاجتماعية ، و على ما يبدو أن هناك عملية إخصاء قصري لتقنية الرجل في القاموس الأسري .
المصير العام للرجل في إطار المدونة الجديدة سيجعله شريكًا أساسيًا في تحقيق العدالة والمساواة الأسرية. ومع ذلك، يرتبط نجاح هذه الإصلاحات بضمان التوازن بين حقوق الجميع وواجباتهم، إلى جانب فتح حوار مجتمعي يعزز الشعور بالإنصاف في ظل هذه التغييرات الراديكالية التي إذا لم يتم إماجها بشكل ذكي ، فقد تهدد بموت المجتمع الذي يجعل من الشريعة الإسلامية إكسير الحياة .
فالإصلاحات الجديدة ليست محاولة لاستهداف الرجل حسب ما يدعي أصحاب “المهمة” ، بل نظام يهدف إلى تحقيق عدالة أوسع. ومع ذلك، فإن نجاحها يعتمد على قدرتها على معالجة مشاعر التهميش أو الغبن و “الحكرة” لدى الرجل المغربي ، من خلال حوار يضمن التوازن واحترام الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات والإصلاحات التي عرفها القضاء المغربي في الأونة الأخيرة ، ليس فقط في زمن الوزير الحالي ، فقد تبقى هناك تحديات كبيرة تواجه النظام القضائي المغربي . من أهمها الحاجة إلى استدامة هذه الإصلاحات وضمان تكاملها مع المبادرات الأخرى و دهنها بسلاسة حتى يتقبلها الجانب الأضعف المعني بالأمر في هاته السلسلة . كما أن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب جهداً متواصلاً لتوسيع نطاق الاستفادة من هذه التحسينات لتشمل جميع الفئات والمناطق في المغرب.
في الختام، يمكن القول أن 2024 ، كانت عاما مفصليا في مسار تحديث العدالة بالمغرب، حيث جُسدت على ضوءه رؤية طموحة لتحقيق نظام قضائي وطني أكثر نزاهة وشفافية وكفاءة، و لكن بالمقابل يبدو أنها كانت سنة كبيسة عبوسة بما عرفته من زخم الصراع حول مدونة الأسرة الجديدة عبر مسودتها التي تطل علينا خلال كل مجلس استشاري ، والتي قد تدق أخر مسمار في نعش الأسرة المغربية المسلمة ، التي تعاني من ويلات سياسة عالمية مجحفة في ظل النظام العالمي الجديد ، خاصة بعد ما خلفه وباء كورونا اللعين.
ومع استمرار العمل الدؤوب والإصلاحات المتواصلة، يبقى الأمل قائماً في تحقيق نظام عدالة يليق بطموحات وتطلعات الشعب المغربي الذي يرى في مملكته تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره ، دولة رائدة في مجال حقوق الإنسان و الإصلاحات المجتمعية التي تعكس صورة التقدم و الإندماج في الكتلة العالمية .