بقلم : الأستاذ إدريس زياد
هذه الحملة الشعبية التي انتظمت مدن المغرب بحبّ واستنفار وإقبال لإعانة المتضررين من أهلنا في جبال الأطلس المغربية ممن بقوا على قيد الحياة، الذين قصم ظهرهم سوء الحال، واضطرتهم قسوة الزلزال إلى اللجوء إلى العراء في غير دورهم ومحلاتهم ومراتع حياتهم، بعدما حلت بهم الكارثة التي حوّلت منازلهم العامرة إلى مقابر مبعثرة، وغيّرت المعالم وانطمست، باتت في شأن وأصبحت بلا ذكرى يمكن تجديدها بالنظر الذي راح، إذ لم تعد المئذنة منتصبة قائمة، ولا الدواوير مزدحمة، ولا تدلّك الأشجار ولا المداخل إلى البيوت التي تراكم بعضها فوق بعض، ولن تعرف بعدها دار فلان ولا المدرسة ولا الدكان، فقدنا الأهل والأحباب والجيران في هذه المصيبة التي أصابتنا في حين غفلة…
لكن بعض المحسنين جعل على عاتقه بناء مخيمات سكنية، وبعضهم تكفل باليتامى، والبعض الآخر تكفل بكل ما يلزم من أدوية ومأكل ومشرب وملبس، لاستعادة إخواننا المتضررين المكلومين شرف الحياة التي افتقدوها من غير مسكن للاستقرار بعد ضمان عمر جديد، حيث لا يجدون لقمة تؤخّر عنهم الموت أو بُلغة ماء عزيز يكاد يغلي من حر الشمس، كما لا يجدون الدواء ولا الظل ولا الملبس، وليعلم أهل المغرب الكرماء أن الله قد اختارهم لأداء بعض الأمانة الواجبة المستحقة لإخوانهم المنكوبين، ولذلك ترى إقبالاً عجيباً منهم على البذل والعطاء رغم ضنك الحال وسوء المعاش الذي وضعتهم فيه هذه الحكومة المشؤومة، إننا كمغاربة نفتخر ونعتز بكل من بادر إلى نجدة أهلنا في الجبال، وتمريض مصابهم، وستر أعراضهم، وغوث محتاجهم، وتأمين حياتهم…
إن المغرب شعب عزيز كريم، لا ينسى من وقف إلى جانبه وحمل عنه وأكرمه في محنته، فالمغاربة منذ الأزل ينشطون في دعم كل احتياج عند كل جائحة أو مصيبة تصيب بعضهم أو غيرهم، فهم يرثون بالفطرة جيلاً بعد جيل هذه الخصال النبيلة المتجلية في مبادرات التضامن الاجتماعي أثناء الجوائح، وما زالوا بحسن كرمهم وجميل صنعهم وإحسانهم لا يترددون في مقاسمة ما عندهم مع بعضهم أو غيرهم في الشدائد والمصائب، وهذا تعويد لكل قادر أن يجدد البذل ويشرح النيّة ويقبل على الجود والإنفاق طمعاً في تعويض الله الرزاق الذي لا تنفذ خزائنه (اللهم أعط منفقاً خلفاً)
أما أهل السراغنة العظماء فهم أطيب الناس معشراً وأكرمهم ضيفاً، يجتمعون دائماً على موائد الكرم، يفتحون أبواب بيوتهم لكل محتاج، تجد في صدورهم الرحابة والكرم وحسن الموئل، هذه الخصال من النخوة والمروءة والشعور بحس المعاناة ليست غريبة عن أرض الشرفاء، فالكرم ثقافة عريقة ورمز للهوية عند أهل السراغنة، وهذا الحشد المبارك الرائع لقوافل الخير أساسه عمل عظيم عند الله، وهو شرف لكل من بادر إليه ومن أشار بكلمة، ومن نصح، ومن دعا، ومن أعطى القليل والممكن والمتاح والكثير، ومن أوصل، وأشرف، وشارك، ويسّر، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ولن يضيّع الله أجر من أحسن عملاً وإنفاقاً وتقرّباً إليه بإغاثة المكلوم، جعل الله ما قدموا من خير في سجلهم، وبيّض وجوههم يوم الحساب.