الصمت المشكوك في براءته للعالم العربي أمام مأساة غزة .

بوحافة العرابي*

في اليوم الثالث والثلاثين للحرب الدامية بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة و التي راح ضحيتها الأبرياء من الأطفال و النساء و العجائز و أناس لا حول لهم و لا قوة ، ترتفع بعض الأصوات للتنديد بالجرائم الفظيعة . ومن ناحية أخرى، فإن صمت الدول العربية هو الذي يصرخ أكثر من غيره . “وين العرب وين ؟ » بمعنى «أين العرب؟» هي صرخة الفلسطينيين ، التي تفضح شعورهم بتخلي إخوانهم و جيرانهم عنهم .

وباستثناء قطر وسوريا اللتين وصفتا أحداث غزة بـ”المجزرة”، اقتصرت ردود فعل حكومات الشرق الأدنى والشرق الأوسط على ما هو ضروري للغاية. واقتصرت السعودية ومصر، اللاعبان الرئيسيان في المنطقة، على الإدانات الرسمية، متجنبتين أي انتقادات قوية لما يقوم به العدو الصهيوني .

وتتحول معظم الحكومات العربية إلى مخاوف أكثر إلحاحاً ، بما في ذلك التهديد الذي تشكله إيران ، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن شكل من أشكال التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل . فجمهورية مصر العربية ، الحريصة على عدم الإساءة إلى الولايات المتحدة ، تواصل في نزاعها ضد حماس وتراقب بتأن حدود رفح، باب الخروج الوحيد لسكان غزة ، وتفتحه عند الطلب وبشروط ، حسب ما يشيع في الإعلام .

والأردن، من جانبها كدولة مجاورة لفلسطين و تربطهما علاقات هي أكثر من الجوار فحسب ، تدير تدفقاً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين، في ظل توازن هش و يتعين عليها الحفاظ عليه مع إسرائيل.

و من هذا المنطلق يمكن أن نستنتج أن تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية ليس ظاهرة حديثة . ففي الخمسينيات، في عهد عبد الناصر، كانت فلسطين في قلب السياسة المصرية، وفي الثمانينيات، اقترحت المملكة العربية السعودية خطة سلام. لكن على مر العقود، تآكل هذا الاهتمام، حيث طغت عليه أزمات إقليمية أخرى مثل الإرهاب ، والصراعات الأهلية، والتهديد المتصور من إيران.

لقد تحرك العالم العربي، المنقسم والذي يفتقر إلى إجماع واضح بشأن القضية الفلسطينية، تدريجياً نحو سياسة التطبيع مع إسرائيل، تاركاً جانباً نموذج التضامن العربي. ويستخدم القادة القضية الفلسطينية بشكل أساسي لأغراض سياسية داخلية ( الجزائر كمثال للحصر ) ، دون أي التزام حقيقي بحل ملموس .

مصر: الأخت الكبيرة …

في مواجهة تصاعد الصراع بين إسرائيل وحماس، والذي بدأ في 7 أكتوبر 2023، يجد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه في قلب معضلة معقدة. وبينما تضغط إسرائيل والولايات المتحدة على مصر لاستضافة اللاجئين في منطقة سيناء، يجب على السيسي أن يأخذ في الاعتبار الرغبة في الحفاظ على وحدة أراضي مصر مع الأخذ في الاعتبار الدعم القوي من الشعب المصري للقضية الفلسطينية. ويأتي الوضع المتوتر في الوقت الذي تستعد فيه مصر لإجراء انتخابات رئاسية خلال شهرين، وهي فترة حرجة بالنسبة للرئيس السيسي الذي قد يستغل الأزمة لصالحه السياسي.

وتنظر إسرائيل إلى شمال سيناء، التي أصبحت الآن منطقة عسكرية مغلقة، و بشكل شبه مؤكد كموقع محتمل لإقامة مخيم للاجئين الفلسطينيين من غزة، خاصة في ضوء تدفق المساعدات الإنسانية إلى العريش. وتأتي هذه المبادرة في سياق ربما يأمل فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يحدث وضع مشابه للنكبة، وتهجير جماعي للفلسطينيين، وهو أمر يخشاه الفلسطينيون… مع الإشارة إلا أن النظام المصري ذهب إلى حد توجيه مدافعه نحو الجهة الأخرى لتجنب “الاجتياح” .

الغضب الشعبي المصري: ضغوط على السيسي

وفي مصر، يهدد الغضب الشعبي بشأن التضخم وأزمة الديون، إلى جانب التعاطف مع القضية الفلسطينية، استقرار نظام السيسي قبل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر . وتظهر المظاهرات الحالية، رغم القمع الشديد، استياءً قد يؤثر على الحملة الانتخابية. ويسعى السيسي، الذي يدرك هذه الديناميكية، إلى وضع نفسه في موقف إيجابي تجاه القضية الفلسطينية للحفاظ على سلطته . وفي حالة التهجير القسري للفلسطينيين، يمكن للرئيس المصري أن يسعى للاستفادة من الوضع، بما في ذلك من خلال الوسائل المالية.

وفي هذا السياق، فإن تنظيم الدولة الإرهابي ، وخاصة الموجود في سيناء، هو الذي يبدو مهتمًا بشكل متزايد بالقضية الفلسطينية . حيث تغيير ملحوظ بالنسبة للمنظمة الإرهابية ، قد تكون له آثار خطيرة، خاصة بسبب اليأس المتزايد لدى شباب غزة، مما يجعلهم عرضة لتأثيرات المتطرفين.

وهذا الانفصال بين الدول العربية يقلل من الضغوط الدولية على إسرائيل لإيجاد حل للصراع. فإذا وافقوا أخيراً على طلب وقف إطلاق النار عبر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قبل 48 ساعة فقط، فمن الصعب الهروب أكثر ، حيث الصمت العربي القاتم أصبح لا يغتفر.


*رئيس هيئة التحرير و النشر بالجريدة العربية

Exit mobile version