الجريدة العربية – محمد الحجوي
في عمق إقليم الرحامنة، حيث تلتقي الشمس الحارقة بوجه الأرض العطشى، تقبع جماعة سكورة الحدرة كشاهد صامت على إهمال متواصل. هذه البقعة الجغرافية التي حباها الله بمقومات طبيعية تصلح لأن تكون نقطة إشعاع تنموي، تتحول يومياً إلى ساحة معاناة لسكان يعيشون على هامش الحياة.
المشهد الأول من مأساة سكورة الحدرة يبدأ بالمقر الإداري الشارد. ففي سابقة غريبة، تجد الجماعة نفسها بدون مقر إداري خاص بها، مضطرة لمشاركة المقر مع جماعة الصخور الرحامنة المجاورة. هذه الوضعية غير المسبوقة تحول كل معاملة إدارية بسيطة إلى رحلة مضنية. المواطنون هنا يدفعون ضريبة القرارات الإدارية العشوائية من وقتهم ومالهم، حيث تبتلع كل رحلة لإنجاز معاملة ما لا يقل عن 30 درهماً، وهو مبلغ كبير بالنسبة لأهالي المنطقة.
في الجانب الصحي، تكتمل ملامح المأساة. المركز الصحي الوحيد في المنطقة يشبه أكثر منزل مهجور منه مؤسسة صحية. لا أطباء، لا أدوية، لا خدمات. مجرد نقطة تلقيح للأطفال تزيد من إحساس السكان بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. المرضى هنا بين خيارين مرّين: إما تحمّل الألم، أو رحلة شاقة إلى أقرب مستشفى قد تنتهي بوفاة المريض قبل وصوله.
شبكة الطرق في المنطقة تحكي قصة أخرى من الإهمال. طريق رئيسي غير مكتمل منذ سنوات، تحوّل إلى شريان معطوب يعزل القرى عن بعضها. في القرن الحادي والعشرين، حيث تتبارى الدول في بناء الجسور والطرق السريعة، لا يزال أهالي سكورة الحدرة يعانون من طرق ترابية تتحول إلى مستنقعات مع أول قطرة مطر.
في عصر الثورة الرقمية، تعيش دواوير سكورة الحدرة عزلة تكنولوجية صارخة. شبكات الهاتف هنا ضعيفة أو منعدمة، مما يحوّل أبسط اتصال هاتفي إلى معجزة. الطلاب محرومون من التعليم عن بعد، والتجار عاجزون عن تسويق منتجاتهم رقمياً، والأسر مقطوعة عن أقاربها في المدن.
رغم كل هذه المعاناة، تزخر المنطقة بمقومات اقتصادية هائلة. واد أم الربيع الذي يمر بها يمكن أن يكون شريان حياة للزراعة والسياحة. قربها من سد المسيرة يشكل فرصة ذهبية لمشاريع تنموية كبرى. لكن كل هذه الإمكانيات تظل حبيسة الإهمال وغياب الرؤية.
الحلول ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية. إنشاء ملحقات إدارية، تأهيل المركز الصحي، إكمال الطريق الرئيسي، تحسين شبكة الاتصالات، واستثمار المقومات الطبيعية كلها خطوات ممكنة إذا وجدت الجهات المعنية الإرادة لتنفيذها.
سكورة الحدرة ليست مجرد نقطة على الخريطة، إنها اختبار حقيقي لمدى جدية سياسة القرب التي تتبناها الدولة. استمرار إهمالها يعني ترسيخ فكرة المواطنة الناقصة، وإعلان صريح بأن العدالة المجالية ما زالت حلماً بعيد المنال.
في الختام، السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سيستمر أبناء سكورة الحدرة في دفع ثمن التهميش؟ وإلى متى ستبقى صرخاتهم عالقة في وادٍ من الصمت والإهمال؟