الخلوة : حينما تتحول ( بعض ) مراكز تعليم القرآن الكريم إلى أبشع السجون ؟

الجريدة الإخبارية .

يعتبر ” الكتاب ” أو ” المسيد ” أو ” دار القرآن ” أو ” الخلوة ” من أهم المراحل التربوية و التعليمية التي يمر عبرها أغلب أبناء المسلمين في جميع أنحاء دول المعمور . و من النادر أن تجد أسرة مسلمة حريصة على تعاليم الدين المبارك الحنيف , لا ترسل أبنائها في إحدى مراحل طفولتهم إلى تعلم القرآن الشريف على يد المشايخ أو الفقهاء . بل يدرج في بلدان عديدة كمرحلة إجبارية يتعلم فيها الطفل اللغة و مبادئ الكتابة و الفصاحة , و تساعده على نمو و زيادة قدرة الذاكرة .

تختلف ثقافة أماكن تحفيظ القرآن الكريم من بلد لأخر , و الاختلاف يشمل المسمى و المكان . و في السودان يطلق اسم ” الخلاوي ” جمع ” خلوة ” على الأماكن التي تخصص لتحفيظ كتاب الله , حيث يستقبل فيها الأطفال الصغار القاصرين , لهم فيها المبيت و المأكل و المشرب . يغيبون عن أهاليهم و كأنهم بمدرسة داخلية , تعهد مسؤوليتهم إلى شيخ ” الخلوة ” الذي يحظى بسمعة و نفوذ بين العامة و الخاصة و الأعيان .

قام صحفي سوداني شاب يدعى ” فتح الرحمن ” بإعداد مادة وثائقية لقناة BBC عربي , يصور فيها بشكل سري أماكن غاية في الغرابة و القرف . و طوال 18 شهرا تجول فيها الصحفي الاستقصائي الشاب بين 23 مركزا / خلوة على طول دولة السودان , صور فيها بشكل علني تارة و تارة أخرى بشكل سري . حيث ولج أماكن تشبه المعتقلات أو أماكن حبس المجانين , أطفال مكبلون بالسلاسل , لا يتحركون إلا قفزا و كأنهم حيوان ” الكانغر ” . صغار يتعرضون للضرب الوحشي بشكل روتيني و يئنون تحث وطأة التعذيب و التنكيل . جروحهم لا تندمل من قلة الدواء , و لا تبرأ إلا بعد أن تخلف ندبات طليت ” بالقطران ” تزيد من شدة الألم .

و يتضمن الفيلم الوثائقي الذي يتراوح طوله 48 دقيقة مشاهد حساسة و غاية في الخطورة ( أنظر المصدر ) , حيث يتابع قصة صبيين قاصرين هما ” إسماعيل ” و ” محمد ناذر ” تم حبسهما أو بمنظور حقوقي اعتقلا لمدة خمسة أيام في غرفة معزولة من دون شرب أو أكل , حتى بلغا حافة الموت لولا التدخل الطبي و الإسعافات ” بمستشفى بحري ” بالخرطوم .

و تم متابعة قضية الصبيين القاصرين لدى النيابة العامة السودانية و المحاكم , لكن للأسف الشديد نفوذ و سلطة مشايخ ” الخلاوي ” كانت تحول دون معاقبة الجناة . و يستضيف الصحفي الشاب للقناة الإنجليزية ” فتح الرحمن ” , الشيخ المسؤول عن ” خلوة الخلفاء الراشدين ” التي تم فيها انتهاك حرية ” إسماعيل ” و ” محمد ناذر ” و عرضت حياتهما للهلاك , لتتم مسألته حول ما يروج من أخبار عما يحدث في ” الخلاوي ” من انتهاكات و اعتداءات جنسية . لكن ” الشيخ حسين ” ينفي بعض الأمور و يعترف بحدوث أخرى , و لم ينكر بتاتا ” التكبيل ” و تقييد الأرجل بالسلاسل و قال بأنه من السنة و يساعد في الحفظ و التركيز , و يعين الأطفال على البقاء في ” الخلوة ” و يحول دون التفكير بالهرب .

قصة ” الخلوة ” السودانية سالت المداد الكثير محليا و دوليا , إذ تسبب الإعلام و الانقلاب ضد ” عمر البشير ” في غلق عديد من المراكز و أجبر الباقي على تغيير سياسة و منهج التعامل مع الحفظة الصغار . لكن مع ذلك تبقى هاته الأماكن براحا و فضاء لجريمة بشعة من طرف عديد من الشيوخ أو من يساعدهم على فرض سلطتهم و بطشهم داخل هاته ( السجون ) كما يسميها روادها , و التي يفترض أن تكون مراكز للتقوى و احترام براءة الأطفال و تعليمهم كتاب الله , و الاستثمار فيهم كمستقبل مزهر للسودان .

المصدر
BBC News BBC Youtube
Exit mobile version