في زيارته التانية للجزائر ، يحل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضيفا على قصر المرادية ، حيت تم استقباله يوم أمس الخميس في مطار الهواري بومدين من قبل نظيره الجزائري عبد المجيد تبون . حيث عرفت المحادثات الاولى من لقائهما الطويل تركيزا جذريا على النبش في الذاكرة الاستعمارية ، و تذكير شعبي الدولتين أن تلك المرحلة هي حقيقة لا يجب الهروب منها ، و إنما وجب التعامل معها من أجل إرساء معالم علاقة متنوعة بين فرنسا و الجزائر ، و عدم النظر إلى الخلف بذلك دائم حتى لا تتعثر جهود الشراكة بين البلدين .
إيمانويل ماكرون و التهرب من الاعتذار عن الماضي الاستعماري ، و عن تصريحاته الأخيرة ضد الجزائر .
هيأ الرئيس الفرنسي بشكل جيد ، خطابه الذي ألقاه بقصر المرادية في حضرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون . أوجد كل الوطن ليكتب ديباجة ديبلوماسية ، نهج فيها عن طريق النبش في الذاكرة الاستعمارية الفرنسية للجزائر و الحديث عن قرن و اثنين و ثلاثين سنة ، من دون أن يرضخ لفكرة الاعتذار للجزائر عن هاته الحقبة الدامية و الدرامية التي قتلت فيها الجيوش الفرنسية الإمبريالية بشكل وحشي أفولا من الشعب الجزائري . تحدث ماكرون و اسهل في الحديث عن الذاكرة ، و تفادى بدهاء ان يسقط في “فخ” الاعتذار عن الماضي . فكما جاء في جريدة Le point الفرنسية ، فإن إيمانويل ماكرون يحل على الجزائر و ليس في نيته ” التوسل ” . بل جاء و معه ملف قوي بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة في الجزائر ، بعدما اعتقلت هاته الأخيرة أزيد من 10000 شخص في الحراك الشعبي ، ناهيك عن تعذيب ما يزيد عن 2000 بدون موجب حق ، و ترك الجميع بدون محاكمة .
أتى إيمانويل ماكرون إلى الجزائر ، مدججا بجيش قوامه مايزيد عن التسعين شخصا ، من بينهم سبع وزراء . و في جعبته مواضيع شتى ، أهمها التعاون و الشراكة بين الدولتين فيما يخص قطاع الطاقة ، و الفن و الشباب و إرساء خطط التنمية البشرية وتطوير أسس التعاون العلمي و التكنولوجي و التكوين . و في بحر خطابه تطرق الرئيس الفرنسي إلى القضايا الدولية الراهنة . حيث دعا إلى “تعزيز الشراكة مع الجزائر” في محاربة التهديد الإرهابي في منطقة الساحل . و أضاف أن ذلك يشمل “منع المرتزقة من الازدهار في المنطقة ، لا سيما فرق الفاجنر” ، في إشارة إلى المجموعة المسلحة الروسية الخاصة النشطة في مالي ، الدولة التي ينطلق منها الجيش الفرنسي صوب أهدافه و التي تعتبرها فرنسا قاعدة دات ولاء مطلق .
فرنسا تعلم بشكل لا يدعو للشك أن روسيا حليف تقليدي للجزائر و هي تزودها بمعظم أسلحتها ، و أن الأخيرة كانت بشكل أو بأخر مسؤولة عن دخول الفاجنر إلى إفريقيا ، لمزاحمة الإمبريالية الغربية . لكن إيمانويل ماكرون ليس بهذا الغباء كي يطلق الرصاص على نفسه ، و يتهم الجزائر في عقر قصر المرادية و هو الذي لم يأتي من أجل سواد العيون ، و إنما قدم للعمل ، و طرح الغاز الجزائري كبديل الروسي ، الذي استعر و أرغد و أزبد في خضم الحرب الأوكرانية . في قرارة نفسه يعرف إيمانويل ماكرون أنه سيعمل على “إيهام الجزائر بأنها هي مدفأة أوروبا في فصل الشتاء القادم ” . و بالتالي ، فإنه سيتفادى الرضوخ و الابتزاز السياسي الذي قد تفرضه الوضعية الضعيفة للاتحاد الأوروبي أمام الحاجة الملحة للطاقة في مستقبل الأيام ، و خاصة مع حلول فصل الشتاء القارس .
و في غضون يوميه الأولين من زيارة العمل ، تحدث الرئيس الفرنسي فقط عن سبل الشراكة ، و تأسيس أكاديمي لمشروع منهجية تاريخية تهم الذاكرة الاستعمارية ، و مواجهتها بدون خوف ، و العمل على عدم البقاء رهن محبسها لعرقلة الشراكة بين فرنسا و الجزائر . وأعلن السيد ماكرون ونظيره عبد المجيد تبون ، في ختام ” لقاء المصالحة ” بينهما يوم الخميس ، عن تشكيل لجنة مختلطة من المؤرخين للنظر معًا في هذه الفترة التاريخية من بداية الاستعمار سنة 1830، و حتى نهاية حرب الاستقلال عام 1962 .
كما تطرق أيضا بشكل لبق و من دون إجابة واضحة على منسوب تأشيرات السفر نحو فرنسا ، حينما تم سؤاله بشأن القضية الحساسة المتعلقة بالتأشيرات ، التي انخفض عددها في باريس إلى النصف في خريف عام 2021 ، بحجة عدم تعاون الجزائر في طرد غير المرغوب فيهم . و قال إن الفكرة هي “النضال معا ضد الهجرة غير الشرعية” مع اتباع “نهج أكثر مرونة بكثير للهجرة المختارة” ، مستشهدا بـ “مزدوجي الجنسية و الفنانين و الرياضيين و رجال الأعمال و السياسيين الذين يرعون العلاقات الثنائية”. و كان جوابه غير مقنع و بعيدا كل البعد عن لب الموضوع
هل تتجرأ الجزائر للمساومة ، بزج ملف الصحراء المغربية لإرضاخ فرنسا مقابل الغاز ؟
أو بصيغة أخرى هل تقبل فرنسا إرضاء ” شهوة الجزائر و تشنيف مسامع العسكر بما يحلو لهم سماعه تجاه الصحراء المغربية” للفوز بصفقة الغاز ؟ هل تتجرأ الرئاسة الجزائرية , في شخص رئيسها , أو عبر إعلامها في طرح سؤال حول ملف الصحراء على إيمانويل ماكرون ؟ أكثر المتفائلين , لا يظن أن يطرح موضوع الصحراء المغربية , بين البرنامج المتخم للرئيس الفرنسي في زيارته للجزائر . و لا أحد يظن أن الظرفية ستسمح للعسكر بأن يقوموا ” بخطأ ” جسيم قد يكلفهم خسارة الغالي و النفيس . يكفيهم فخرا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد حل مدججا بشبابه , مستغلا الحاجة الملحة للجزائر لتلميع صورتها الداخلية القاتمة و الملطخة بانتهاكات تخص حقوق الإنسان . و بالتالي فإن ملفات عادية مدنية هي الديدن الرئيس لزيارة عمل المستفيد منها هو ماكرون و دولته فقط .