لماذا نختبئ في جحور المنصات الافتراضية للتواصل الاجتماعي ؟

الأستاذ بوحافة العرابي –
رئيس التحرير

في عالمنا الواقعي أصبحت الحياة الافتراضية أشبه ” بحياة حقيقية ” . حيث ابتعد الأفراد عن ضوضاء الحياة العادية ليختبئوا في ” جحور مواقع التواصل الاجتماعي ” , و يؤسسوا لأنفسهم حياة ” سيبيرانية ” يعيشون فيها أحلامهم , و يتبادلون فيها أحاسيسهم المختلفة على منصات هي أقرب من انتحار جماعي لشعوب العالم .

بين هذا و ذاك ما فتئت تنبثق في أفق تكنولوجيا التواصل , مواقع و منصات و برمجيات مختلفة و متلونة تغرينا بسرقة أوقاتنا الثمينة , التي نقضيها في الغالب مع الكائنات الحية ” واقعيا ” , لتعوضنا بقضائها مع اشخاص هم ” خوارزميات ” و معادلات بعناصر مجهولة . تعاملنا معهم لا يكاد يتجاوز صورا ثابتة أو متحركة , و بضع جمل مبتذلة على شكل أصوات .

يقول الأستاذ و الشاعر المصري الكبير ” عبد العزيز جويدة “ : من كوارث ” السوشيال ميديا ” أنها جمعت كل المرضى النفسيين على هذا الكوكب ووضعتهم في عنبر واحد .

حقا قال و في صميم قلب مشكل عويص نبش . لقد أصاب الشاعر ” عنابر ” التواصل الاجتماعي في مقتل . و لخصت جملته الحالة المزرية لسكان كوكب الأرض . حيث ما انفك الخاصة و العامة يلجئون إلى العالم الافتراضي لنجدة حياتهم و أعمالهم . فكثر كل شيء و زاد عن حده فانقلب المعنى إلى ضده . فصور لنا الغث جميلا , و الضبع سبعا , و البغل حصانا . لقد رسمت التجريدية البشرية صفحات الإنترنت على أنها متاحف تجمع بين الإرث الإنساني و الإنسان نفسه . و عكست بقصد أو بغير قصد حربائية بني أدم على أثواب الحرير المزيف . لتغدو عوالم السوشيال ميديا مجمع الحمقى و العقلاء , الكسالى و النجباء , الأغبياء و الأذكياء , ثم قس على ذلك و هلم جرا . واحذر أن تسقط في المحظور , فتنهال عليك تعاليق و أراء سخيفة ممن تعرف و من لا تعرف , حيث طفيليات مواقع التواصل الاجتماعي تقتات و ترعى و تطول كأم الأربع و الأربعين .

في فترة التسعينيات لا أحد منا كان يظن أن كوكب الأرض سيخضع يوما لسيطرة العوالم الافتراضية , حتى عشنا و رأينا . و نحن أكثر تشددا في الرأي , يمكن أن نقول بأن التكنولوجيا جعلت البشر أكثر تقدما و قربا للحقائق من ذي قيل . لكنها جعلته ينحصر في بوثقه هي أشبه ما يكون إلى ” مجزرة نفسية ” تعيق التواصل الواقعي الجسدي بين الأفراد . أعطت فرصة كبيرة لجبناء الواقع لاستعراض ” اختلالاتهم النفسية ” مجانا و بدون رقيب أو حسيب . فاندحرت القيم الإنسانية في بركة النرجسية و في باحات تغيير المسميات .

صارت مواقع التواصل الاجتماعي ” محجا ” يسلكه المذنبون و المعذبون في الأرض , لعلهم يجدون فيه قربانا للغفران . و أصبح القادة يستغلونه لزرع الأفاق و التخيلات . حتى صار ” الفيس بوك ” و ” إنستاغرام ” مذهبا جديدا يتبعه كل من لا حيلة له …… اللهم استر من القادم الأشر .


Exit mobile version