الجريدة العربية – لحسن كوجلي
شهدت مراعي تنكارف بضواحي مدينة أزيلال، ظاهرة بيئية غريبة وغير مسبوقة، تسببت في انشقاقات أرضية مع انبعاث دخان من باطن الأرض، مما أثار مخاوف الساكنة المحلية، خلال الأيام الأخيرة.
وضجت حينها مواقع التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات توثق خروج دخان أبيض من باطن الأرض بطريقة غير معتادة وكثيفة، أثارت الرعب في الساكنة.
وفي إطار تفاعل جمعية جيوبارك مكون وفريقها العلمي المتعدد التخصصات مع كل الظواهر الطبيعية والمناخية التي يعرفها مجال جيوبارك مكون العالمي ومحيطه المباشر وبطلب وبتنسيق مع السلطات الإقليمية قام الفريق العلمي لجيوبارك مكون، بإجراء زيارة ودراسة علمية لموقع الاحتراق لمراعي تنكارف بإقليم أزيلال، يومي السبت والأحد 24 و 25 غشت 2024.
وأصدر الفريق العلمي المكون من: محمد بوتكيوط، دكتور وباحث في الجيولوجيا رئيس اللجنة الوطنية للجيوبارك، رئيس اللجنة العلمية الجيوبارك مكون ونائب رئيس الشبكة الافريقية لجيومنتزهات اليونسكو، وعبد اللطيف سهيل دكتور وباحث متخصص في الجيولوجيا البنيوية والتوضعات الرسوبية وعضو اللجنة العلمية لجيوبارك مكون، وإدریس أشبال باحث في سلك الدكتورة رئيس جمعية جيوبارك مكون وعضو اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة وعضو المكتب التنفيذي للشبكة العالمية لجيومنتزهات اليونسكو، وإبراهيم نايت اوعشى طالب باحث في سلك الدكتورة وعضو الفريق العلمي لجيوبارك مكون، نائب أمين جمعية جيوبارك مكون، (أصدر) تقريرا علميا حول ظاهرة احتراق ترسبات الخث Tourbe بمنطقة تنكارف بإقليم أزيلال، جاء فيه :
* الإطار الجغرافي للموقع :
بالاعتماد على الخريطة الطبوغرافية 50.000/1 يتضح أن الامر يتعلق بمنخفض ” مقعر” داخل بنية ملتوية محاط بسفوح جبلية مكونة من الدوغر الجوراسي والطبقات الكلسية الترياسية، على ارتفاع 2300 متر من سطح البحر، مشكلا ضاية تغذيها تلاث منابع مائية على مساحة تقدر بحوالي 2 هكتار تخترقه الطريق الرابطة بين جماعة تاكلفت وجماعة أنركي.
*الاطار الجيولوجي :
بالاعتماد على الخريطة الجيولوجية لاميلشيل ” لعثمان فاضيل” يتضح أننا أمام مجال قديم مستقر عبارة عن مقعر محاط بسفح غربي مكون من صخور الدوغر ، وسفح شمالي مكون من صخور الكلس الترياسي، ويتضمن المقعر كتل من الكابرو الصاعدة والتي ترجع الى الحقبة الجوراسية مشكلة مع الكلس الترياسي قاعدةمقعر تنكارف.وبالاعتماد على صور الأقمار الصناعية لسنوات 2007-2013-2015-2019 و 2020 يتضح أن المقعر تعذيه منابع مائية رئيسية وعددها ثلاث منابع مهمة تساهم في ضمان الغمر المائي للمنخفض، بحيث يرتفع مستوى المياه بحسب كمية التساقطات الثلجية والمطرية وبحسب الفصول مما ساهم في تطور غطاء نباتي مهم ساهم وعلى مدى مئات السنين في تشكيل طبقة من الخث التي شكات مرعى صيفي لمربي المواشي بالمنطقة، ومع مرور السنين تعرضت النبتات المشكلة لسطح المنخفض للتحلل وتشكل طبقة من الخث بعمق متفاوت يصل في اقصى الحالات 50 سنتم.
* التأكد من الفراضيات عبر زيارة الموقع وأخذ القياسات وضبط سمك طبقة الخث المعنية :
قام الفريق العلمي بإجراء مقطع جيولوجي لمنخفض تنكارف حيث تأكد ان المنطقة تتواجد داخل المجال الأطلسي المستقر بقاعدة صخرية جد صلبة تعود للزمن الجيولوجي الثاني ولا علاقة لها بالصخور والتشكلات الكارستية اوالبركانية.وقد تم حصر مجال تشكلات الخث في 1.5 هكتار، وبعد إنجاز الحفر لأخد القياسات تبين أن سمك الخث لا يتجاوز في أفضل الحالات 50 سنتم تشكلت فوق طبقة كلسية ترياسية غير نافدة لازالت تحتفظ برطوبتها وتشبعها بالمياه وهو ما يفسر تشكل ضاية كبيرة غنية بالمواد العضوية مشكلتا مجالا رطبا سمح بنمو النباتات بشكل كثيف.وقد تعرض الغطاء النباتي للضاية عبر مئات السنين لتحلل الجدور والأوراق والاغصان مشكلا طبقة الخث المعني بالاحتراق. وتعلو هاته الطبقة قشرة من الطين الناتج عن جرف المياه من السفوح المجاورة لا يتجاوز سمكها بضع سنتمترات.ونتيجة للتغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف الحالي 2024، لوحظ نضوب شبه كلي للمنابع المائية، وتعرض منخفض تنكارف للتجفيف، أدى إلى انتفاخ الطبقة الاسفنجية للخث، وتعرضها للتشقق وبالتالي دخول الأكسجين من بين الشقوق مما سهل احتراق المواد العضوية المركزة و الغنية بالكاربون والمصدرة لغاز الميتان على شاكلت التفاعلات التي تعرفها مطارح النفايات المنزلية.
*خلاصات الفريق العلمي :
الأمر يتعلق بقاعدة جيولوجية صلبة، مكونة من صخور تعود الى الزمن الجيولوجي الثاني “الترياس والجوراسي بمستوياته المختلفة”، ولا تشكل أي خطر على البيئة والانسان ولا علاقة لهذا الاحتراق بأي نشاط بركاني.موقع المنخفض ومكان الاحتراق بعيد عن المجالات الغابوية وعن الاستقرار السكاني باستثناء الرعاة الذين ألفوا الرعي بهذا الموقع الغني بالأعشاب والذي يشكل مجالا صيفيا مميزا لمربي الماشية في إطار منظومة ألمو / أزغار أو الترحال بين مراعي الدير شتاءا ومراعي الجبال صيفا .عملية الاحتراق تتم بشكل بطيء، كما هو الحال بالنسبة لمنظومة الخث بكل مناطق العالم مصدرا دخان ابيض خفيف مع نسب قليلة من غاز الميتان.
* توصيات الفريق العلمي :
1- لوحظ توافد عدد من الأطفال والشباب إلى الموقع بدون ايت حماية من قبيل اخد الكمامات الواقية والأحذية المهنية لتفادي أي تسمم بالدخان والغازات او التعرض للحروق.
2- تواجد مهم للرعاة صحبة قطعان كبيرة من الأغنام والمعاز يقتضي تنبيههم لخطورة الاقتراب من موقع الاحتراق والنبش في مصادر خروج الدخان والغازات.
3- ضرورة وضع يافطة علمية من قبيل اللوحات العلمية للمواقع الجيوسياحية لجيوبارك مكون، لتعريف الوافدين من سياح و ساكنة مجاورة بخطورة رمي السجائر او وضع مواقد نارية للطبخ داخل مجال ضاية تنكارف خاصة خلال فصل الصيف لتفادي الاحتراق.
4- في حال تساقط الأمطار وعودة الجريان المائي السطحي إلى وضعه الطبيعي وعودة مستويات الإماهة أو التشبع المائي لطبقة الخث ستعود الأمور الى حالتها الطبيعية.