بوحافة العرابي * – (بتصرف)
تسببت قضية سفر أميرة بوراوي من تونس ، بمساعدة جهات رسمية فرنسية ، بانفجار حقيقي في العلاقات بين باريس والجزائر . حيث عانت أجهزة الأمن الجزائرية من ازدراء و تنكيل مزدوج , من جانب الفرنسيين الذين تعمدوا ترحيل “شخص مطلوب” من لدن السلطات الجزائرية إلى فرنسا , في وقت عجزت فيه كليا القوة التونسية التي سمحت بحدوث ذلك ، بينما بدت تحت التأثير الكلي للجزائر .
وقبل صعود أميرة بوراوي من تونس إلى ليون مباشرة تحت حماية الخدمات القنصلية الفرنسية ، تم بالفعل تشكيل فريق من القوات السرية الجزائرية في تونس من أجل إعادة “العدو” إلى الجزائر العاصمة كما فعلوا من ذي قبل مع أشخاص أخرين و نفس الطريقة و في نفس الدولة .
و كان اللواء جبار مهنة ، رئيس الخدمات الخارجية الجزائرية ( المخابرات ) ، يفكر في تكرار نفس عملية اختطاف ، سليمان بوحفص الشرطي السابق والمتشدد لصالح حركة استقلال القبائل ، في تونس العاصمة , والذي كان لاجئا سياسيا يتمتع بوضع الحماية الدولية من لدن المفوضية السامية للاجئين (UNHCR) , حيث تم اختطافه من وسط العاصمة التونسية دون تدخل سلطات هذه الأخيرة , التي يبدو و كأنها تخشى غضب الجيران .
الفصل الأول : فرنسا تضرِب و تونس تُعاقَب بسياسة الحدود المغلقة .
بعد ترحيل الصحفية الطبيبة المزدوجة الجنسية , من طرف فرنسا و من الأرض التونسية , لم تجد الجزائر بدا من فرض نرجسيتها على الطرف الأضعف في الحلقة الثلاثية , و هكذا بدأت الأعمال الانتقامية الجزائرية منذ يوم الخميس 9 فبراير , عندما أغلق معبر ببوش الحدودي الجزائري التونسي أمام التونسيين الراغبين في العودة إلى الجزائر العاصمة . حيث تم حظر أكثر من 200 سيارة وتفتيش متعلقاتهم بشكل مستفز . و ردت العديد من الشبكات الاجتماعية التونسية على هذا القرار التعسفي الذي هدد التبادلات غير الرسمية العديدة بين البلدين ، وهي سوق سوداء يعيش فيها جزء كبير من الشباب التونسي الفقير من الداخل . ولم يوقف إغلاق الحدود إلا بتدخل رئيس الجمهورية الجزائرية في مسرحية الضرب على اليد من بغية التحذير و التعزير .
الفصل الثاني : الجزائر تحرج الرئيس قيس سعيد .
أما الرئيس التونسي قيس سعيد ، فقد حصل في اليوم ذاته على استقالة وزير خارجيته عثمان الجرندي , المقدمة على أنها بسبب الجمود التونسي أمام تصرفات الفرنسيين . طريقة غثة استعاد بها قيس سعيد ثقة الجزائر ، داعمه الرئيسي و الوحيد .
الفصل الثالث : أسرة أميرة بوراوي و الاعتقال البديل .
اعتقلت السلطات الجزائرية والدة وشقيقة المعارضة السياسية أميرة بوراوي في الجزائر العاصمة , عبر تسليط درك منطقة العاشور في نهاية يوم السبت , الذي تلى ترحيل الناشطة إلى فرنسا . إذ حطت قوات الصاعقة في منزل العائلة الواقع في واد الرمان ، حيث خضعت والدتها خديجة وشقيقتها وفاء للتفتيش و الإهانة , كردة فعل غاضبة من السلطات المحلية من أجل الابتزاز .
و ذكرت بعض وسائل الإعلام البديل , أن عنصران من الخدمات الأمنية ، قد زارا عصر الأسبوع ذاته ، منزل أسرة بوراوي لترهيب أفرادها من خلال وصفهم بـ “مجرمين في خدمة أعداء الوطن ” .
عقيدة العسكر تتوافق مع من يخدمها و الويل لمن بغى .
لماذا كل هذا العداء ضد خصم علماني و فرد من عائلة عرفت ضباطا رفيعي المستوى في الجيش والخدمات العسكرية الجزائرية ؟ كيف يمكن للعضوة السابقة في الحركة المعادية لولاية خامسة للرئيس السابق بوتفليقة ، و عنصرا في معركة كانت أيضًا ضد حزب من المخابرات الجزائرية الموالية للجنرال توفيق ، أن تجعلها عدوًا شعبيًا رقم واحد ؟ و تنكل بأقاربها .
نعلم أن القوة الجزائرية فاعلة داخل معاقلها ، والرياح المعاكسة ضد الإسلاميين – في حركة “رشاد” وضد الانفصاليين من الحركة ، وكلهم مصنفون بأنهم “إرهابيون” في معيار الجنرالات الحاكم الفعلي و الحقيقي بقصر المرادية – تعرف بشكل عام كيف تجد جسورًا تجاه المعارضين مثل أميرة بوراوي للتنكيل بهم . السلطات الجزائرية المعادية للإسلاميين هي كذلك قادرة على التسوية مع المعارضة , و تريد ذلك , حيث نشرت “واشنطن بوست” ، حين قامت بتجديل أمجاد الجنرال الوحشي و الجزار محمد العماري ، الذي كان رئيسا الأركان خلال السنوات السوداء (1992-1998) .
و يمكن تفسير رد الفعل العنيف للجزائريين ضد فرنسا بأسباب أخرى غير وصول هذا الخصم المعادي و المعارض إلى فرنسا , حيث سيكون المجال خاليا و فسيحا لفضح حكام الجزائر الفعليين .
الفصل الرابع : الاشتعال الدبلوماسي و الفشل غير المفهوم .
على المستوى الدبلوماسي ، يتم التعامل مع قضية أميرة بوراوي – مثلا – بجدية شديدة منذ استدعاء السفير الجزائري في باريس للتشاور في الجزائر العاصمة , و أعطت السلطات المحلية إعلاميا نظرة مختلفة في الحقيقة عما يروج في الواقع , حيث القوة الضاربة إعلاميا بالداخل و الفشل الذريع خارجيا , خاصة فيما يتعلق بالجواب على فرنسا . و إذا كان الخلاف الذي ولد في تونس قد وصل إلى مثل هذا الحجم ، فذلك لأن العلاقة بين باريس والجزائر لم تكن جيدة . و سارت الزيارة الأخيرة لرئيس الأركان ، الجنرال سعيد شنقريحة إلى باريس ، وهي أول زيارة يقوم بها قائد عسكري منذ عشرين عامًا ، بشكل سيء نسبيًا .
الرئيس الفرنسي ، إيمانويل ماكرون ، الذي فضل دائمًا محورًا قويًا بين فرنسا والجزائر ، بما في ذلك على حساب المغرب ، اهتم دائمًا بعلاقاته مع الرئيس تبون الذي من المقرر أن يأتي في زيارة رسمية إلى باريس هذا الربيع . لكن الرئاسة الفرنسية تدرك جيدًا أن السلطة الحقيقية في الجزائر تعود أولاً وقبل كل شيء إلى المؤسسة العسكرية . لقد تم القيام بكل شيء ، على الجانب الفرنسي ، لاستقبال الجنرال شنقريحة بامتياز . و استقبله إيمانويل ماكرون بنفسه في الإليزيه ، دون إخبار مسبق ، و بدون كاميرات أو صور . و يقال إن رئيس الجيش الجزائري كان يعاني من تجربة سيئة للغاية في هاته الزيارة .
الجزائر : خطأ التعاون مع الروس في منطقة الساحل و أخر أوراق الخريف الدبلوماسي .
ملف أكثر خطورة في الجزء السفلي من الملفات المركنة في رف الساحة الدولية . إذ أن شروط التعاون في منطقة الساحل التي تريدها باريس تتعارض مع الشروط التي كررها الجنرال شنقريحة بوضوح . لن يعيد الجيش الجزائري النظر في تحالفه المميز مع روسيا ، حتى لو وافق ، هذا الخريف ، على إلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع جيش بوتين . حيت كإنذار ثاني ، تطالب الخدمات العسكرية الجزائرية باريس بتسليم بعض المعارضين لكتم القضايا الداخلية التي تؤرق الحكام . و تنشط المعارضة أساسا ، عبر الشبكات الاجتماعية ، مركزة نشاطها للغاية لمعارضة النظام .
هذا و تم في وقت سابق اقتراح قائمة من قبل المخابرات الجزائرية , إبان شهر العسل بين الجزائر ومدريد ، حيث وافق الإسبان على تسليم جنديين ومخبرين من المعارضين و هما محمد عبد الله ومحمد بن عزوز بن حليمة .
و هنا تعكس الدبلوماسية الفرنسية قوتها ضد نظيرتها الجزائرية ، حيث يرفض قلب الدولة الفرنسية ، على عكس إسبانيا ، تجاوز بعض الخطوط الحمراء . وليس من قبيل المصادفة أن الجواسيس الفرنسيين المتورطين في البيانات الصحفية الجزائرية سهّلوا هروب المعارضة الجزائرية من تونس العاصمة إلى ليون , لأنهم يعلمون مسبقا , أن الجزائر العاصمة لن يكون رد فعلها أكثر ممن قيل في حقه “جعجعة ولا أرى طحنا” .