بقلم الأستاذ إدريس زياد*
وهذا اليوم المبارك هو موسم للطاعات، من قراءة سورة الكهف، والذكر والصلاة على الرسول، وصلاة الضحى، وبر الوالدين أحياء أو أمواتاً، والكثير من أبواب الخير المتعددة فلنغتنمها، زاحموا الذنوب بالطاعات، وأخرجوا ما في بطونكم من حرام، قد يأكل البعض الحرام في لحظة غفلة أو ضعف، وقد يقنع نفسه بحل ذلك خضوعاً لتلبيس من الشيطان يوافق هواه، وقد يلوي عنق الفتوى ليبيح لنفسه ما لا يباح لها، وتلك فتنة خفية تصدأ فيها النفوس الرديئة، الدنيا قصيرة وفانية والموت قادم فاتقوا الله وأخرجوا ما في بطونكم من حرام، أخرجوا اللقمة من جوفكم وأعيدوا الدرهم إلى حرزه، واعلموا أن أكل أموال الناس بالباطل علة في الصدر تورث صاحبها الهم والغم وتسلبه صلاح الحال وراحة البال، تطهروا فإن النفوس أمارة بالسوء…
تكلموا مع الله ولو لدقيقة واحدة، أخبروه بالذي يؤلمكم، أخبروه أن قلوبك مكسورة وتحتاج للجبر، ولا جابر غيره، قولوا له بأنكم تتألمون، أخبروه بالذنوب التي وعدتموه بأنكم لن تفعلوها وكررتموها، أخبروه بأن لديكم أمنيات وتتمنوا لو أنها تحققت جميعاً، أخبروه بكل شيء فهو يعلم ما بداخلكم، لكنه يريد أن يسمعكم وأنتم تشكون إليه، تأملوا الحديث الشريف التالي: إن الله ليحمي عبده المؤمن الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب وعيشوا معانيه بقلوبكم، واعلموا أن الله يختار لنا الأحسن دائماً، فالدنيا ومغرياتها قد تكون سبب هلاك العبد في الآخرة، والله يحميه منها ويبعده عنها، فكم من ملتزم وطائع خسر دينه أمام اختبارات الدنيا ومغرياتها الزائلة، فلا تحزن لما يفوتك منها واقنع بما قسمه الله لك، يقول ابن عطاء السكندري: ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، و متى فتح لك باب الفهم في المنع صار المنع عين العطاء
كان السلف الصالح إذا دخلوا مجلس علم، استعدوا له، فتوضأوا، وأحسنوا الوضوء، فتزدان وجوههم بالوضاءة والنور والجمال، فلا تجد الشياطين إليهم سبيلاً، ولا يكاد أحدهم يفقد في هذا المجلس من العلم شيئاً، ولا يخرج منه حتى يفتح الله عليه مسائل كانت من قبل غامضة أو مستعصية، وكانوا راضين مرضيين، يسألون حب الله ورضوانه، لهم إيمان قوي بأن الله إذا “رضي” عنك صرفك عن الحرام، أما إذا “أحبك” صرف الحرام عنك، قال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين) فاللهم اجعلنا ممن تحبهم ويحبونك ومن عبادك المخلَصين…
يقول أحد السلف رحمه الله:
كنت أظن أن العبد هو الذي يحب الله أولاً حتى يحبه الله، حتى قرأت قول الله: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) فعلمت أن الذي يحب أولا هو الله…
وكنت أظن أن العبد هو الذي يتوب أولا حتى يتوب الله عليه، حتى قرأت قول الله: (ثم تاب عليهم ليتوبوا) فعلمت أن الله هو الذي يلهمك التوبة حتى تتوب…
وكنت أظن أن العبد هو الذي يرضى عن الله أولاً ثم يرضى الله عنه، حتى قرأت قوله تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) فعلمت أن الله هو الذي يرضى عن العبد أولاً…
أما اليوم يغيظك البعض من أولئك الذين حملوا باسم الدين سلم الحماقة بالطول والعرض، حتى جعلوا منه بفهمهم السقيم وفقههم العقيم مصدر شقاء لهم ولمن حولهم إلى يوم الدين.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، اللهم ارفع عنا البلاء والوباء والغلاء، اللهم لا يأس من فضلك، ولكن اشتاقت قلوبنا لدهشة الاستجابة.