من دون أن ننسى الانتهاكات الإنسانية و العنصرية لدولتي شرق أوروبا “بولندا ” و ” المجر ” و لسيادة قانون التمييز العرقي الذي شاهدناه على حدود هذين البلدين في السنوات الأخيرة ضد اللاجئين من سوريا و الدول التي تعاني من الأزمة السياسية و الإنسانية خارج نطاق القارة الأوروبية . يجب أن يكون تدفق التضامن الذي أشعلته الدراما الأوكرانية بمثابة ضغط على المسؤولين الأوروبيين في ملفات سياسة الهجرة الأوروبية الجديدة و بالخصوص ملف ” اللجوء الإنساني ” الذي عكس صورة سلبية للأوربيين في التعاطي مع ظاهرة الهجرة الجماعية .
نازية دول شرق أوروبا و الأسوار المغلقة / المفتوحة .
في عام 2015 نهجت القارة البيضاء سياسة الجدران و الأسوار و السياسات المعادية للمهاجرين في أوروبا – باستثناء ألمانيا – لسد الطريق أمام اللاجئين السوريين , الفارين من جحيم بشار الأسد و الحرب التي يشنها الجنود الروس . و في بداية عام 2022 , حدود مفتوحة على مصراعيها و وضع خاص اليوم للأوكرانيين . صدمة العدوان الروسي على أوكرانيا ، و تدفق مئات الآلاف من النساء و الأطفال الفارين من الحرب ، يزعزع مشهد الهجرة في أوروبا , و يجعل أوروبا تركع مكرهة أو طوعا . لتظهر صورة عكست ” الحيف و الانتقاء بين الأعراق و الجنس , بين ما هو أوروبي و غير الأوروبي “.
لم يستغرق الأمر سوى أسبوع واحد بعد بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا . لتبدأ دول الاتحاد الأوروبي السبع و العشرين ، التي لم تكن قادرة على مدى عقود من توحيد سياساتها و توزيع طالبي اللجوء . ها هي الأن تحرك عصاها السحرية يوم الخميس 3 مارس , لتمكن جحافل الأوكرانيين الفارين من جحيم الإرهاب الروسي ,” تلقائيًا ” حق ” الحماية المؤقتة ” ( أو ما يصطلح عليه ” اللجوء الإنساني ” ) , التي تخول الحق في البقاء على أرض الاتحاد الأوروبي مبدئيا لمدة ثلاث سنوات .
تضامن الغرب مع أوكرانيا يلزمها بتجريم التمييز و العنصرية .
يجب أن نحيي مظهر التضامن هذا ، هذا التغيير المذهل لبرامج الهجرة . حيث تلتزم أوروبا التي تتميز بتاريخ حافل من اللاجئين المناهضين للنازية الذين تم تسليمهم إلى ألمانيا ، والأشخاص عديمي الجنسية و المعارضين المسجونين ، و الترحيب بضحايا الحرب التي شنت دون سبب ضد دولة ذات سيادة في قارتها .
نعم نحن نفخر بذلك , لكن ليس على حساب الأعراف و العرق البشري . و التفرقة بين الناس على أساس الدين و العرق . لسوء الحظ ، تشير الشهادات المتعددة ، القادمة من الحدود بين أوكرانيا و بولندا من جهة ، و المجر من جهة أخرى ، إلى المعاملة التمييزية و العنصرية المقرفة ” لغير البيض ” , و خاصة الطلاب الأفارقة الفارين من أوكرانيا . الأمر الذي يجعل الدول الشرق أوروبية تواجه حتمية تاريخية , بأنها أصل العنصرية و النازية و إهمال العرق غير الأوروبي . فلسان الحال إذن يشير إلى واقع الصورة النمطية التي كانت عليها بعض دول القارة البيضاء في وقت السلم و الرخاء , و هي تتقطر عنصرية نازية فاشية , و كأنها سم أفعى ينخر أفكار الحرية و الديموقراطية و حقوق الإنسان .
في الواقع ، فإن التقلب في موقف النظامين البولندي و الهنغاري ، اللذان أغلقا حدودهما في وجه الأفغان و السوريين ، لكنهما الآن يرحبان بالأوكرانيين بأذرع مفتوحة ، ينم عن تحيز عنصري و مناهض للمسلمين . يعكس تحول مماثل 180 درجة من قبل السياسيين اليمينيين و اليمين المتطرف في ألمانيا أو فرنسا أو الدنمارك أو إيطاليا نفس الخيال لأوروبا ” البيضاء ” الحصرية و المغلقة . و الذي لا يعكس أبدا و بأي حال من الأحوال فكر بعض كبار القادة الأوروبيين ” الطيبين ” الذي لم يبدوا أي تحيز أو فكر نازي تجاه غير الأوروبيين .
” اللجوء الإنساني ” حق لا يجب أن يحاط بالتمييز العنصري النازي .
” يجب الدفاع عن عالمية حق اللجوء من دون تحفظ أو تميز ” ، بما في ذلك ضد الروس المناهضين للحرب الذين يلاحقهم نظام ” فلاديمير بوتين ” . فاتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين تحضر بشكل صريح التمييز ” على أساس العرق أو الدين أو البلد الأصلي ” . فكيف يمكن للمرء أن يطبق بطريقة تمييزية و عنصرية نازية ” حقًا صمم خصيصًا لحماية أي شخص يخشى الاضطهاد على أسس سليمة , أو تتعرض حياته أو حريته للتهديد ؟
لا يمنعنا التذكير بعدم قابلية مبدأ ” حق اللجوء الإنساني ” بأي شكل من الأشكال من إدراك الأسباب التي تجعل مصير الأوكرانيين يحرك الأوروبيين بشكل خاص ، الذين لا علاقة لهم بلون البشرة أو الدين . ففي الجوار ، تضاف إلى الذكريات الرهيبة و الأليمة لسنوات القمع السوفييتي ، بالنسبة لجميع الأوروبيين ، الذكرى المأساوية للحرب العالمية الثانية و النازية التي تذرع بها سيد الكرملين . لقتل الناس الأبرياء و احتلال دولة ذات سيادة .
إن التدفق الهائل للتضامن الذي أشعلته الدراما الأوكرانية لا ينبغي أن يجعلنا ننسى الانتهاكات الجسيمة و الإجرامية لسيادة القانون من قبل دولتين أوروبيتين هما بولندا و المجر . لكن الإجماع في الاستقبال يجب أن يكون بمثابة رافعة لسياسة الهجرة الأوروبية الجديدة . كيف يمكن للبلدان التي استفادت من تضامن الدول السبع و العشرين لحماية جيرانها الأوكرانيين الاستمرار في رفض آلية لتقاسم استقبال جميع طالبي اللجوء ؟ أو إدانة المهاجرين و اللاجئين و نعتهم بالقردة و سارقي فرص العمل من أبناء البلد الذي يستقبلهم ؟ و إذا لم تستحي فافعل ما شئت .